للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا فإنه ليس كل ما يعلم يصلح أن يقال في أي حال، فلكل مقام مقال، وما يخاطب به فئة العوام غير ما يخاطب به المثقفون، وما يخاطب به الشباب غير ما يخاطب به الكهول، وما يتكلم به في مناسبة الجهاد، غير ما يتكلم به في مناسبة العرس والزواج، فعلى الخطيب أن يكون ذا نظرة ثاقبة للأمور، يحسن تقدير الظروف، وقياس المؤثرات والطبائع.

وفي الصحيح عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «تدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ . .» . الحديث إلى أن قال: «قلت: يا رسول الله، أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا» . ونحوه قد وقع لعمر (رضي الله عنه) مع أبي هريرة رضي الله عنه.

إذا فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث بعض خاصته، ونهى معاذا أن يخبر به عامة الأصحاب لئلا يتكلوا فيتركوا العمل، ولم يخش هذا على معاذ، وأبي هريرة.

فلا بد من مراعاة نوعية الخطاب، ونوعية المخاطب، أو نوعية العلم، ونوعية المتلقي لهذا العلم.

قال الشاطبي: " ومنه أن لا يذكر للمبتدي من العلم ما هو حظ المنتهي، بل يربي بصغار العلم قبل كباره، وقد فرض العلماء مسائل مما لا يجوز الفتيا بها إن كانت صحيحة في نظر الفقه ".

قال: " ومن ذلك سؤال العوام عن علل مسائل الفقه، وحكم التشريعات، إن كان لها علل صحيحة، وحكم مستقيمة، ولذلك أنكرت عائشة (رضي الله عنها) على من قالت: لم تقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة؟ وقالت لها: أحرورية أنت؟ وقد ضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغا وشرد به لما كان كثير السؤال عن أشياء من علوم القرآن لا يتعلق بها عمل، وربما أوقع خبالا وفتنة، وإن كان صحيحا. . . وقد أخبر مالك عن نفسه أن عنده أحاديث وعلما ما تكلم فيها، ولا حدث بها ".

<<  <   >  >>