للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن القيم في ذكر خصائص يوم الجمعة: فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتحميده، والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وتذكير العباد بأيامه، وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إليه، وإلى جنابه، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها (١) .

ثم اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده صلى الله عليه وسلم من ترغيب الناس وترهيبهم، فهذا في الحقيقة روح الخطبة الذي لأجله شرعت، وأما اشتراط الحمد لله، والصلاة على رسول الله، أو قراءة شيء من القرآن، فجميعه خارج عن معظم المقصود من شرعية الخطبة، واتفاق مثل ذلك في خطبته صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه مقصود متحتم، وشرط لازم، ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ. . . إذا تقرر هذا عرفت أن الوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث، فإذا فعله الخطيب فقد فعل الأمر المشروع، إلا أنه إذا قدم الثناء على الله وعلى رسوله، أو استطرد في وعظه بالقوارع القرآنية كان أتم وأحسن (٢) .

السياسة والفكر: يغلب على بعض الخطب وبعض الخطباء الطابع السياسي أو الفكري، أو الموضوعات الاقتصادية أو الاجتماعية المحضة، ولا شك أن هذه الأمور مهمة، وهي موضوعات تمس الواقع الإسلامي، وتهم المسلم، ولكن التزام هذه الموضوعات في خطبة الجمعة، أو جعلها هي مدار الخطبة، هو تجريد للخطبة من أهم مقاصدها، وأجل أهدافها، وبالمقابل فإن قصر الخطبة على تعليم بعض المسائل أو الأحكام الفقهية وعرضها عرضا علميا مجردا ليس هو المقصود الأهم من خطبة الجمعة التي تضم حشدا من الناس كل أسبوع.

فمنبر الجمعة ليس كرسيا جامعيا لتعليم الدراسات الفقهية، أو الاقتصادية، أو السياسية أو غيرها من الدراسات الأكاديمية، وهو في الوقت نفسه يجب أن لا


(١) زاد المعاد (١ / ٣٩٨) .
(٢) انظر: الدراري المضية شرح الدرر البهية (ص ١٥١) .

<<  <   >  >>