للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روى مسلم في صحيحه عن واصل بن حيان قال: قال أبو وائل - وهو شقيق بن سلمة - خطبنا عمار رضي الله عنه فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست- أي: أطلت- فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن طول صلاة الرجل، وقصر خطبته، مئنة - أي: علامة- من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرا» (١) .

فقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى خصلتين عظيمتين إذا وجدتا في الخطيب تمكن من حسن الخطاب، وقوة التأثير، وهما: الفقه والعلم الشرعي الذي يمكنه من أداء الصلاة على وجهها قراءة، وخشوعا، وأحكاما، وأداء الخطبة على وجهها، ثم البيان والفصاحة التي تمكنه من جوده الخطاب، ورصانة الأسلوب، وسلامة التعبير، لتقع الخطبة موقعها من النفوس.

إن مراعاة الأحوال المختلفة للمخاطبين، ثم القصد - أي: الاعتدال والتوسط - هو الأفضل بوجه عام، وذلك لأن الطول يفضي في الغالب إلى السآمة والملل بالنسبة للسامعين، وقد يؤخرهم عن بعض أعمالهم، ويشغلهم عن قضاء بعض حاجاتهم، وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى فضل ذلك بالصلاة التي هي أجل شأنا، وأعظم قدرا من الخطبة، فقال: «يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة» (٢) .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «كان معاذ بن جبل رضي الله عنه يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع فيؤم قومه، فصلى العشاء فقرأ بالبقرة، فانصرف الرجل، فكأن معاذا تناول منه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " فتان، فتان، فتان " (ثلاث مرار) أو قال: "فاتنا، فاتنا، فاتنا" وأمره بسورتين من


(١) رواه مسلم (الجمعة- ٦ / ١٥٣) .
(٢) رواه البخاري (الأذان، تخفيف الإمام- ٧٠٢) ، ومسلم (الصلاة، أمر الأئمة بتخفيف الصلاة- ٤٦٦) وهذا لفظه من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

<<  <   >  >>