ثم قال: "ولنضرب لذلك مثلا تلك الآية الحكيمة وهي قوله -عز وجل-: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون}(الذاريات: ٤٩) فإنها مرت على بني الإنسان منذ نزلت إلى الآن، ففهموا منها جميعا أن الله يدل على قدرته وإبداعه وكماله بأنه خلق من الأشياء متنوعات مختلفة الأشكال والخصائص، لكنهم اختلفوا بعد ذلك؛ فالأوائل يُكثر عنهم أن الزوجين في الآية الكريمة هما الأمران المتقابلان معًا لا بخصوص الذكورة والأنوثة، روي عن الحسن: أنه فسر الزوجين بالليل والنهار، والسماء والأرض، والشمس والقمر، والبر والبحر، والحياة والموت، وهكذا. عدد أشياء وقال: كل اثنين منها زوج، والله تعالى فرد لا مثيل له، أما المتأخرون: ففهموا أن الزوجين في الآية هما الأمران المتقابلان للذكورة والأنوثة، ويقولون: إنه ما من شيء في الوجود إلا منه الذكر والأنثى، سواء في ذلك الإنسان والحيوان والجماد وغيرها مما لا نعلمه.
ويستدلون على ذلك بقوله سبحانه:{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُون}(يس: ٣٦) ويقولون: إن أحدث نظرية في أصول الأكوان تقرر أن أصول جميع الكائنات تتكون من زوجين اثنين، وبلسان العلم الحديث: إلكترون وبروتون، فإذا عُلم أن التفسير العلمي للقرآن ليس بدعة عصرية، وأنه موجود منذ أن فسر العلماء هذا القرآن الكريم، وإذا عُلم أسلوب القرآن في حديثه عن الكونيات إذا عُلم كل ذلك، وتقرر في الأذهان نقول لهؤلاء الرافضين للتفسير العلمي: إن وظيفة القرآن هي هداية الناس، واستدلالهم على ذلك بقوله:{هُدًى لِلْمُتَّقِين}(البقرة: ٢) هو هداية للمتقين. نقول لهؤلاء الرافضين والرد على احتجاجهم: بأن وظيفة القرآن متمثلة في قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِين} هل العلوم الكونية تعتبر إضلالا للناس؟ وهل يعدو الأخذ بالثابت منها إلا وسائل لفهم القرآن واليقين بأنه الحق من الله، كما قال -عز وجل-: