للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاشتقاق أخْذُ صيغة من أخرى مع اتفاقهما معنىً ومادةً أصلية، وهيئة تركيب لها، ليُدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفاً أو هيئة، كضارب من ضرب، وطريق معرفته تقليب تصاريف الكلمة حتى يرجع منها الى صيغة هي أصل الصِّيغ دلالة اطراداً وحروفا غالباً: كضرب فإنه دال على مطلق الضرب فقط أما ضارب، ومضروب، ويَضْرب واضرب فكلُّها أكثر دلالة وأكثر حروفاً، وضرب الماضي مساوٍ حروفاً وأكثرُ دلالة، وكلّها مشتركة في (ض، ب، ر) وفي هيئة تركيبها، وهذا هو الاشتقاق الأصْغَر المحتجُّ به، وأما الأكبر فيحفظ فيه المادّة دون الهيئة فيجعل (ق، و، ل) و (و، ل، ق) و (و، ق، ل) و (ل، ق، و) تقاليبها الستة بمعنى الخّفة والسرعة، وهذا مما ابتدعَه الامام أبو الفتح ابن جني، وكان شيخه أبو علي الفارسي يأنس به يسيراً، وليس معتمداً في اللغة، ولا يصحّ أن يُستنبط به اشتقاق في لغة العرب، ثم التغييرات بين الأصل المشتق منه والفرع المشتق خمسة عشر ذكرها السيوطي في المزهر، وإذا تردّدت الكلمة بين أصْلين في الاشتقاق طلب الترجيح وله وجوه ذكرها في المزهر أيضاً، وهي تسعة، والأعلام غالبها منقولٌ بخلاف أسماء الأجناس، فلذلك قلَّ أن يُشتقّ اسم جنس لأنه أصل مُرْتَجل قال بعضهم: فإن صح فيه اشتقاقٌ حمل عليه قيل: ومنه غُرَاب من الاغتراب وجراد من الجَرْد (١).

والأصل في الاشتقاق أن يكون من المصادر، وأصدقُ ما يكون في الأفعال المزيدة والصفات منها، وأسماء المصادر، والزّمان والمكان ويغلبُ في العَلَم، والتصريف أعمُّ من الاشتقاق، لأن بناء مثل قردد من الضّرب يسمى تصريفاً (٤٦/ ... ) ولا يسمى اشتقاقاُ، لأنه خاصُّ بما بنَتْه العرب (٢).

وأفرد الاشتقاق بالتأليف جماعة منهم الأصمعي، وقُطْرب، وأبو الحسن الأخفش، وأبو نصر الباهلي، والمفضّل بن سلمة، والمبّرد، وابن دريد، والزَّجاج، وابن السراج، والرماني، والنحاس، وابن خالويه، ومما ينبغي أن يُحْذَر كل الحذَر أنْ يَشْتَقَّ من لغة العرب شيء من لغة العَجَم، فيكون بمنزلة مَن ادَّعى أن الطير وَلَد الحوت (٣)، وقد ألّفت في ذلك كتاباً مفرداً (٤).

الرابعة والعشرون: معرفة الحقيقة والمجاز


(١) ينظر: المزهر: ١/ ٣٤٦ - ٣٥٠.
(٢) ارتشاف الضرب: ١/ ١٥، المزهر: ١/ ٣٥٠،٣٥١.
(٣) ينظر: المعرب: ٥،٤، المزهر: ١/ ٣٥١.
(٤) وهو العلم الخفاق من علم الاشتقاق لمحمد صديق حسن خان، هدية العارفين: ٢/ ٣٨٩.

<<  <   >  >>