للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مناقشة آرائه]

آراء محمد صديق حسن خان تبدو قليلة في كتابه لكونه في الأصل فقيهاً محدثاً يجتهد في الفقه والأصول، ولا أزعم أنه أراد أن يكون لغوياً في كتابه، إلا أن لديه عدداً من الآراء القليلة التي امتازت بالجرأة استقاها من ثقافته الإسلامية، فهذه الثقافة أثرت في آرائه، كما يبدو أن الموضوعات اللغوية التي لها صلة بالدين قد أعطى رأيه فيها.

ففي موضوع مبدأ اللغة العربية، وحينما ذكِر الاختلاف في لغة العرب ومنهم من قال: " هي أول اللغات، وكل لغة سواها حدثت بعدها إما توقيفاً أو إصطلاحاً، واستدلوا بأن القرآن كلام الله وهو عربي، وهو دليل على أن لغة العرب أسبق اللغات وجوداً " (١).

فأشار إلى رأيه بالقول: " قلت لا دليل في كون القرآن (كلام الله) على أن لغة العرب أول اللغات وأسبقها؛ لأن صحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى نزلت قبل القرآن وكلها كلام الله، فما أبرد هذا الدليل، نعم فيه دليل على أن لغة العرب أفضل اللغات وأحسنها؛ لأن سيد المرسلين نطق بها ونزل القرآن بلسانه، وسينطقون أهل الجنة بهذه اللغة الشريفة كما ورد به الخبر المأثور " (٢).

قصد المؤلف بذلك أن القرآن وهو (كلام الله) لم يُعْطنا دليلاً، بأن اللغة العربية كانت أول اللغات في العالم، والسبب في أن الكتب السماوية: صحف إبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى هي من كلام الله، وسبقت القرآن ولم تكن باللغة العربية، وهذا رأي صحيح.

وأقول أن الشيء المشترك في الكتب السماوية نزولها باللغات السامية فقط، ونقلت إلى غيرها من اللغات عن طريق الترجمة.

ومن آرائه رداً على قول ابن الأنباري: " يشترط أن يكون ناقل اللغة عدلاً، رجلاً كان أو امرأة حراً كان أو عبداً، كما يشترط في نقل الحديث. . . فإن كان ناقل اللغة فاسقاً لم يقبل نقله " (٣).

قال محمد صديق حسن خان: " وهذا باطل عندي بل المعتبر في النقل صدق الناقل وضبطه دون عدالته وتقواه، كما حققنا ذلك في كتابنا (هداية السائل إلى أدلة المسائل)


(١) البُلغة إلى أصول اللغة: ١٤.
(٢) المصدر نفسه: ١٤.
(٣) لمع الأدلة في أصول النحو: ٨٥، البُلغة إلى أصول اللغة: ٢٥.

<<  <   >  >>