للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالعالم المنصف قد اطلع عليه فارتضاه، وأجال في ساحته نظرة ذي علق فاجتباه، ولم يلتفت الى حدوث عهده وقرب ميلاده، لأنه إنما يستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءته في نفسه لا لقدمه وحدوثه وايجاده، وبالجاهل المشط قد سَمع به فسارع الى تمزيق فروته وتوجيه المثالب اليه بناءاً على كبر العلم وثروته، ولمّا يعرف نبعه من غربه ولا عجم عودَه ولا نفض تهائمه ونجوده، والذي غره أنه عمل محدث من حديث العهد لا عملٌ قديمٌ أو صنع جديد من معاصره لا صنع عتيق كريم وحسبك أن الآشياء تُنتَقد أو تُبهرَج لأنها تليدة أو طارفة، وأظلالها طامسة أو وارفة، وبالله التوفيق وبيده أزمّة الجمع والتفريق.

(المقدمة)

في وصف اللغة وحدها وتصريفها وبعض مبادئ هذا العلم وفيها مسائل

[الأولى: في وصف اللغة]

قال محمد بن يعقوب في القاموس: إنَّ عِلْمَ اللُّغة هو الكافل بابراز أسْرَار الجميع، والحافل بما يَتَضَلَّعُ منهُ القَاحِلُ، والكَاهِلُ، والفَاقُع، والرَّضيع، وإنَّ بَيانَ الشَّريعة لمَّا كان مصدرُهُ عن لسان العرب، وكان العَمَل بموجبه لا يَصحُّ الاّ بأحكام العلم بمُقَدّمتِه (١) (٤/) وَجَبَ على رُوَّام العِلم وطُلاَّب الأثر أن يَجْعَلُوا عُظَم اجتِهادِهم واعتمادهم، وأن يَصرفُوا جُلَّ عنايتهم في ارتيادهم، الى علم اللّغة والمعرفة بوجُوهها، والوُقُوف على مُثلها ورُسُومها وَقَدْ عُني به من الخَلفَ والسَّلَف في كلّ عصر عصابة، هم أهل الإصابة، أحَرزُوا دَقائقَهُ، وأبرَزُوا حقائقه، وعَمرّوا دِمَنَه وفَرعُوا قُنَنَه، وقَنَصَوا شواردَه، ونَظَمُوا قَلائَده وأرْهَفُوا مَخاذَم البَرَاعَة، وارعَفُوا مَخَاطَم اليَرَاعَة، فألَّفُوا وأفادوا، وصَنَّفوا وأجادوا وبَلَغُوا من المقاصد قاصِيتَها وَمَلكوُا من المَحاسن ناصِيَتَها، جَزاهُمُ الله رضوانه، وأحَلَّهم من رياض القُدس ميطانه (٢).

قال: وهذه اللُّغَة الشَّريفة التي لم تَزَل تَرفَعُ العَقِيرَة غرّيدَة بآنها، وتَصُوغ ذات طوقها بقّدر القُدرَة فُنُون ألحانها، وإن دارَت الدَّوائر على ذويها، وأخْنَتْ على نَضَارَة رياض عَيْشهم تُذويها، حتى لا لها اليَوْمِ دَارس، سِوى الطَّلَل في المدارس، ولا مُجاوِبَ الاّ الصَّدَى ما بَيْنَ أعْلامها الدَّوَارس، ولكن لم يَتَصَوَّح في عَصف تلك البوارح نبت تلك الأباطح أصلاً ورَاسَاً، ولم تُسْتَلَب الأعْواد المُورِقَة عن آخرها وإن أذْوَت اللَّيالي غراساً ولا تَتساقَطُ عن


(١) القاموس المحيط للفيروزآبادي: ١/ ٢.
(٢) المصدر نفسه: ١/ ٣.

<<  <   >  >>