للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوَزْن، وعِقْد القافية تآلفت أشتاته (٧٧/ ... ) وازدوجت فوائده، وأمن السرقة والغَصْب، وقد أجمع الناس على أنّ المنثور في كلامهم أكثر، وأقل جيداً محفوظاً، وأنّ الشعر أقلُّ، وأكثر جيداً محفوظاً، لأن في أدناه من زنة (١) الوزن والقافية ما يقارب به جيد المنثور.

وكان الكلام كله منثوراً، فاحتاجت العرب الى الغِناء بمكارم أخلاقها، وطَيِّب أعْرَاقِها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأنجاد وسُمَحائها الأجواد؛ لتَهتّز نفوسها (٢) الى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم فتوهموا أعاريض فعملوها (٣) موازين للكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً؛ لأنهم قد شعَروا به أي فطِنوا له، وقيل ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، فلم يحفظ من الموزون عُشره (٤)، ولا ضاع من المنثور (٥) عُشره، فإن احتج أحد على تفضيل النثر على الشعر بأن القرآن منثور، وقد قال تعالى: {وَمَا عَلَّمنَاه الشِّعْرَ وما يّنْبَغَي لَهُ} (٦) فقيل: إنَّ الله بعث رسوله آية وحجة على الخلّق، وجعل كتابه منثوراً ليكون أظهرَ برهاناً بفضله على الشعر الذي من عادة صاحبه أن يكون قادراً على ما يحب من الكلام، وتحدَّى جميع الناس من شاعر وغيره بعمل مثله فأعجزهم ذلك، فكما أن القرآن أعجز الشعراء وليس بِشِعْر، كذلك أعجز الخطباء، وليس بخطبة، والمترسلين وليس بترسل، واعجازه الشعراء أشدُّ برهاناً، ألا ترى العرب كيف نسبوا النبي (صللم) الى الشعر لما غُلِبوا وتبين عجزهم فقالوا: هو شاعر! لما في قلوبهم من هيبة الشعر وفخامته (٧)، وأنه يقع منه ما لا يُلْحَقُ، والمنثور ليس كذلك.

فمن هنا قال تعالى: {وَمَا عَلَّمنَاه الشِّعْرَ وما يّنْبَغَي لَهُ} (٨) أي لتقوم عليكم الحجة ويصح قبَلكم الدليل (٩).

قال ابن رشيق: وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها بذلك، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعْبن بالمزاهر، كما يصنعن في الأعراس، وتتباشر


(١) في العمدة زينة: ١/ ٢١، والمزهر أيضاً: ٢/ ٤٧٢.
(٢) في العمدة لتهز أنفسها: ١/ ٢١.
(٣) في المصدر نفسه جعلوها: ١/ ٢١.
(٤) في الأصل عقره والصواب ما أثبتناه عن العمدة: ١/ ٢١، والمزهر: ٢/ ٤٧٢.
(٥) في الأصل الموزون والصواب ما أثبتناه عن المصدرين نفسيهما: ١/ ٢١ و: ٢/ ٤٧٢.
(٦) يس / ٦٩.
(٧) في الأصل وعجامته والصواب ما أثبتناه عن العمدة: ١/ ٢١، والمزهر: ٢/ ٤٧٢.
(٨) يس / ٦٩.
(٩) العمدة: ١/ ٢٠،٢١، المزهر: ٢/ ٤٧١ - ٤٧٣.

<<  <   >  >>