للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحق أن يقال فيه لأستجماعه الشروط الثمانية المطلوبة في كل تأليف، وإلاّ فهو ضرب من الهذيان وهي: معدوم قد اخترع، ومفرق قد جمع، وناقص قد كمل، ومجمل قد فصل، ومسهب قد هذب، ومخلط قد رتب، ومبهم قد بين، وخطأ قد عين.

فلله در هذا المؤلِف اللبيب المبرز من أسرار اللغة العجب العجيب، كيف لا وهو ابن أمها وأبيها، وسلالة مدينة العلوم التي يسكن اليها السالك، ويأويها الذي لا يلحق له مبار بغبار، ولا يماريه ممار في مضمار، ولم يزل لسان حاله ينشد بفصيح قاله:

وإني وإن كنت الأخير زمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائل (١)

البارع في سائر العلوم الجامع بين منطوقها، والمفهوم المستغني بكمال شهرته، وشهرة كماله عن تعديد مناقبه، ونشر أحواله وكم له من تآليف مفيدة (١٤٨/ ... ) ورسائل عديدة في كل فن من الفنون ما بين تفسير وحديث وغير ذلك أظهر فيها شموس البراهين واحتوت على جمل من الفوائد النفيسة للمستبصرين، فلقد أجاد فيها وأفاد وقرر ما نقله عن الجهابذة النقاد فعند ذلك أخرست براهينه ألسن المعترضين، وترقت نواصي حججه فظلت أعناقهم لها خاضعين، لا زالت فوائده في ترق وازدياد، وفضائله في العلوم لا تحصى بتعداد فلله دره من فطن نبيه لكن لا عجب فالشبل مثل أبيه:

بأبِه اقْتَدَى عَدِيُّ (٢) في الكَرمْ ... وَمَنْ يُشابِهْ أَبَهُ فَما ظَلَمْ (٣)

فإنه من البيت الذي لا ينكر فضله، ولا يجحد محله، ولقد جاء بما زآل به اللبس، وقر الناظر، وطابت به النفس، شكر الله سعيه في القيام بخدمة ذلك المقام، ورفع قدره ونصب رتبته على رؤوس الأعلام، تقبل الله منه ذلك، وسلك به فيما قصده أوضح المسالك، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله الأمين، وآله الطاهرين وأصحابه الراشدين وسلم تسليماً الى يوم الدين.


(١) شروح سقط الزند: ٢/ ٢٥٢.
(٢) في الأصل علي والصواب ما أثبتناه.
(٣) أوضح المسالك لألفية ابن مالك بن هشام: ١/ ٣٢.

<<  <   >  >>