للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن عمر بن الخطاب (رض) قال: لا يقريء القرآن الا عالم باللغة، وعن ابن عباس إذا سألتم عن شيء من غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإنَّ الشعر ديوان الأدب (١).

قال الفارابي في خطبة كتابه ديوان الأدب: القرآن كلام الله، وتنزيله فَصَّل فيه مصالح العباد في معاشهم، ومعادهم مما يأتون وَيَذَرُون، ولا سبيل إلى علمه وإدراك معانيه الا بالتَّبحرُّ في علم هذه اللغة (٢)، وقال بعض أهل العلم:

حفظ اللغات علينا ... فرض كفرض الصلاة ... (٣)

فليس يضبط دين ... إلا بحفظ اللغات

وقال ثعلب في أماليه: الفقيه يحتاج الى اللغة حاجة شديدة ... انتهى (٤).

وقال المناوي في شرحه على القاموس: من منافع فن اللغة التوسع في المخاطبات والتمكن من إنشاء الرسائل بالنظم والنثر، ومن عجائبه التصرف في تسمية الشيء الواحد بأسماء مختلفة لاختلاف الأحوال كتسمية الصغير من بني آدم ولداً وطفلاً، ومن الخيل: فلواً، ومهراً، ومن الإبل: حواراً، وفصيلاً، ومن البقر: عجلاً، ومن الغنم: سخلة، وحملاً، وعناقاً، ومن الغزال: خشفاً، ورشاً، ومن الكلاب: جرواً، ومن السباع: شبلاً، ومن الحمير: جحشاً، وتولباً، وهنبراً،، وتقول نبح الكلب، وصرخ الديك، وهمهم الأسد وزأر، وهيثم الريح، وكَطَعنَة بالرمح، وضربة بالسيف، ورماه بالسهم ووكزه باليد وبالعصا (٥).

وبالجملة فهو باب واسع لا يحيط به انسان، ولا يستوفي التعبير به لسان، ولولا معرفة المترادفات، لما اقْتدر صاحب القاموس على ما أجاب به علماء الروم عن معنى كلام الامام علي (عليه السلام)، ذكر أبو الوفا الهوريني المصري: إنه جاء برديف كلامه (كرم الله وجهه) على الفور من غير توقف لما سألوه عن قول علي لكاتبه: إلصق روانفك بالجبوب، وخذ المزبر بشَناتِرك، واجعل حُنْدُورتَيْك (٦/) الى قَيْهَلي، حتى لا انغَى نَغْية (٦) الا أودعتها بحَماطَة جلجلانك، فقال معناه: إلزق عَضْرطك بالصَّلّة


(١) ايضاح الوقف والابتداء لأبي البركات الأنباري: ٣٩،٦٢، والمزهر: ٢/ ٣٠٢.
(٢) ديوان الأدب للفارابي: ١/ ٧٣، والمزهر: ٢/ ٣٠٢، أعادة في ص ٦٦،٦٧.
(٣) المزهر: ٢/ ٣٠٢.
(٤) ينظر: مجالس ثعلب: ١/ ٢١٦، وفيه ذكر أمثلة عديدة على ارتباط الفقه باللغة فقط.
(٥) ينظر: المخصص: ٢/ ٤٦، ٤٧،٦٤، ٧٢، ٧٨.
(٦) بغية الوعاة: ١/ ٢٧٤، تاج العروس من جواهر القاموس لمرتضى الزبيدي:١/ ١٤، وفيهما الروانف: المعقدة، الجبوب: الأرض، الِمزْبر: القلم، الشّناتر: الأصابع، الحنْدُورتان: الحدقتان، قيْهِلي: أي وجهي، أنغى: أي أنطق.

<<  <   >  >>