للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصير المشتغلين بها. فلو تصدت اوروبا بالأمانة همم المسلمين وصرفهم عن مجد الملك والدين والجنس وقطعت دهوراً في اختراع طريق تصل به هذه الغاية ما اهتدت إلى ما فعله الخطباء من تحويل الخطابة عن عهدها النبوي إلى ما قاله المتملقون إلى الملوك والغافلون عن طرق الهداية وإصلاح الأمة. ونحن نستفتي هؤلاء المثبطين. إذا كانت الدنيا يحذر منها فلمن خلقت وإذا كان الاشتغال بها بهتاناً وضلالاً ولا

يشتغل بها إلا أعداء الله فلم نتألم من تسلط الغير علينا ووقوعنا في أيدي المتغلبين ونعد الرضا بذلك ذنباً ومعصيةً. كل هذا انصراف عما كان عليه السابقون فقد كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يخطب الناس بوقائع الحال وربما طرأ عليه الأمر في غير يوم الجمعة فيرقي المنبر ويخطب به الناس وجاء الخلفاء الراشدون على أثره فكان أبو بكر يخطب بأحوال أهل الردة وخروجهم من الإسلام ووجوب قتالهم وكان عمر يرتب جيوشه ويولي الأمراء ويفرق الألوية ويعلم الأحكام وهو على المنبر كان عثمان يخبر الناس بخراج البلاد وأحوال الفاتحين وهو يخطب وكان عليٌّ يذكر الحاصل بينه وبين الثائرين عليه ويعلم الأحكام ويوصي الحكام ويلقن التوحيد ويقص أخبار السابقين وهو على المنبر ولم نسمع أن هارون الرشد خطب من ديوان أو أن المأمون ألفت له خطبة أو ان مولاي إدريس جمع له العلماء كلاماً موزوناً مسجوعاً بل كان يخطب كل خليفة وأمير بما يراه صالحاً للأمة وما طرأ عليه من وقائع الأحوال الداخلية والخارجية فعلى العلماء الأفاضل ورجال الخطابة ان يغيروا هذه الطريقة ويخطبوا الناس بضروريات دينهم ودنياهم فإنهم إن فعلوا وعلَّموا الناس الدين

<<  <   >  >>