للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا نخلص أن الأئمة المتقدمين استعملوا مصطلح " شاذ "، و " غير محفوظ " استعمالاً لغوياً، إذ أطلقوهما على تفرد الضعيف ومخالفته، كما أطلقوهما على مخالفة الثقة، وخطئه، وعلى تفرد الثقة بحديث لم يحفظه أهل الحفظ، ولم يعرف عندهم. وهذا يعني أنهم يسوونه بالمنكر، كما مر سلفاً، والله أعلم.

[المبحث الخامس: علاقة الشاذ بالمنكر]

ومما مر نخلص إلى أنّ المتقدمين لا يفصلون بين المصطلحين، بل لم يشتهر عندهم مصطلح " شاذ " إلا عند البعض منهم، وما جاء عن هؤلاء من تعريف الشاذ كأنهم أرادوا به المعنى اللغوي والذي يعني التفرد لذا قال الشافعي:

" ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه الناس هذا الشاذ من الحديث." (١). فالشاذ والمنكر عند المتقدمين هو تفرد الثقة وغيره بشيء غير محفوظ أو بمخالفتهم المحفوظ؛ إسناداً أو متناً.

وأما عند علماء المصطلح فإنهم لم يختلفوا عن منهج المتقدمين إلى أن جاء الحافظ ابن حجر العسقلاني ففرق بينهما وعدَّ من سوّى بينهما أنه غفل، وقد بان من خلال أقوال وصنيع الأئمة المتقدمين من قبله أن هذا التفريق لا يقوم على أسس صحيحة بينة، وهو في مجمله تفريق جزئي غير بيّن.

والذي أراه أنه ليس مثل الحافظ العسقلاني يغفل عن هذا!؟ فهو إمام جبل، وكأنه لما رأى أن الناس قد قسموا الحديث إلى إسناد ومتن وعلة إسناد وعلة متن فالحديث قد يصح سنداً ولا يصح متناً، وهذا ينافي صنيع المتقدمين، خشي من التباس تفرد الثقات مع تفرد الضعفاء ومخالفتهم مع مخالفة الضعفاء لأن الناس يحكمون من خلال رجال السند على المتون أراد وضع قيد لفصل مخالفات الثقات عن مخالفات الضعفاء .. أو نحوها من الأسباب.

وحسبه في ذلك ما نقله عنه تلميذه الحافظ السخاوي إذ قال: سمعت الحافظ يقول:" لست راضياً عن شيء من تصانيفي لأني عملتها في ابتداء الأمر ثم لم يتسن لي تحريرها سوى " شرح البخاري " ومقدمته"والمشتبه"و"التهذيب"و"لسان الميزان" أما سائر


(١) معرفة علوم الحديث، الحاكم ص١١٩، وانظر المنهل الروي، ابن جماعة ص٥٠ - ٥١.

<<  <   >  >>