للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم الظاهر الذي قد رواه الناس " (١)، وقال عبد الرزاق:" كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر " (٢).

ثانياً: عند المتأخرين:

وأمّا منهج أئمة الحديث من المتأخرين في النقد فإنه نحا منحىً آخر بدأ بابي عبد الله الحاكم إذ فرّق بين السند والمتن، فكان نقطة تحول في علم الحديث ويتضح منهجه في ذلك في حكمه على أحاديث كثيرة أنها صحيحة الإسناد، وكان لا بد أن يخرجها صاحبا الصحيحين، البخاري ومسلم، فقال مرات لا تحصى: " صحيح على شرطيهما ولم

يخرجاه "، " صحيح الإسناد على شرطيهما ولم يخرجاه "، " إسناده صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه "، " صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجه "، وهكذا.

فجعل صحة الإسناد شرطاً لقبول الحديث، متغاضياً عن صحة المتن فأدخل متون منكرة، ومعلولة، ظاهر إسانيدها صحيحة (٣). وهكذا بدأ علم الحديث يأخذ منحىً جديداً يختلف عمّا كان عليه قبل الحاكم النيسابوري.

يقول الإمام الذهبي ً في معرض الكلام عن عنعنة المدلس:"وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث، فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود، عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذاونحوه دخل الدّخل على الحاكم في تصرفه في المستدرك " (٤).

ولما شرع المتأخرون بكتابة مصطلح الحديث -وهذا أمر طبيعي، إذ هو تلبية لحاجة طلبة العلم لمصطلح نظري ييسر لهم ولوج علم الحديث، خاصة بعد ضعفه في تلك الأزمان كما بينه العلماء في ذلك الوقت فوضعت كتب المصطلح- أصبح النقد عندهم قائماً على الإسناد، في الأعم الأغلب واصبح من وثقه المتقدمون صُحَحَ حديثه، ومن ضعفه المتقدمون ضُِعفَ حديثه، ومن تركه المتقدمون حكموا على حديثه بالضعف الشديد، مع عدم إدراكهم دائماً لمسألة الانتقاء.


(١) شرح علل الترمذي، ابن رجب ٢/ ٦٢٢.
(٢) فتح المغيث، السخاوي ٢/ ٣١٠.
(٣) انظر بحث " منهج الذهبي في تلخيص مستدرك الحاكم "، لزميلنا الشيخ عزيز رشيد.
(٤) الموقظة ص٤٦.

<<  <   >  >>