للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضهم والجماعة والجملة هم أهل الحق ولو لم يكن في الأرض منهم إلا واحد فهو الجماعة وهو الجملة " (١).

ومما تقدم يظهر لنا أن استعمال علماء المصطلح لهذا الاصطلاح لم يبن على أقوال أو اصطلاحات قالها المتقدمون، الذين يفترض أن يكون أهل المصطلح قد استقرؤوا كتبهم وأقوالهم.

وسيتبين لنا من الأمثلة التي سنسوقها بعد، أنّ المتقدمين لم يستعملوا هذه اللفظة اصطلاحياً، بل استعملوها لغوياً مع غيرها من الألفاظ لتدل على الخطأ، أو الشذوذ، أو النكارة في الحديث إسناداً أو متناً، بدلالة اختلاف ألفاظهم في تقييم الحديث الواحد.

هذه هي أهم أقوال أهل العلم في تعريف الحديث الشاذ، ويظهر بوضوح الفرق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، فالأوائل لا يفرّقون بين الشاذ والمنكر، فلا عبرة عندهم من خالف؟ وممن كانت؟ المهم انه إذا أتى المحدث بما لا يعرفه أهل الحفظ والإتقان فهو مردود.

وقد أطلق بعضهم مصطلح: (منكر) على مخالفة الثقة، والبعض الآخر على مخالفة الضعيف، ومنهم من أطلقها على مخالفة الثقة والضعيف، وكذا الحال بالنسبة لمصطلح (شاذ)، فهم لا يفرقون بينهما -كما مر- والله اعلم.

[المبحث الثالث: مفهوم الحديث الشاذ عند المتقدمين]

[المطلب الأول: عند الإمام الشافعي]

أقدم من عرَّف الشاذ - بحدود علمي- هو الإمام الشافعي رحمه الله فقال: " ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ ... أن يروي الثقة حديثاً يخالف فيه الناس هذا الشاذ من الحديث." (٢).

وقال:" الشاذ من الحديث لا يؤخذ به" (٣).وجاء بلفظ آخر عنه: " ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة حديثاً لم يروه غيره، إنما الشاذ من الحديث: أن يروي الثقات


(١) الإحكام ٥/ ٨٢، وانظر النكت على ابن الصلاح، ابن حجر ٢/ ٦٥٢.
(٢) معرفة علوم الحديث، الحاكم ص١١٩، وانظر المنهل الروي، ابن جماعة ص٥٠ - ٥١.
(٣) الأم ٧/ ٣٦٠.

<<  <   >  >>