للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كافة الروايات، وجميع الأحاديث وهكذا ... وإدراك القرينة المرجحة لا يتم إلا للناقد صاحب الذوق الحديثي، ولهذا قال الحاكم وغيره: " الحجة فيه - أي في معرفة خطأ الراوي - عندنا الحفظ والمعرفة لا غير " (١).

وهذا هو الذي سار عليه الحافظ ابن رجب الحنبلي، إذ قال: " ومن جملة الغرائب المنكرة الأحاديث الشاذة المطرحة وهي نوعان - ما هو شاذ الإسناد ... وما هو شاذ المتن كالأحاديث التي صحت الأحاديث بخلافها أو أجمعت أئمة العلماء على القول بغيرها وهذا كما قاله أحمد في حديث أسماء بنت عميس " تسلبي ثلاثاً ثم أصغي ما بدا لك "، أنه من الشاذ المطرح " (٢).

وذهب ابن حزم الظاهري إلى استعمال الشاذ بالمعنى اللغوي فقال:

" هذه اللفظة في الشريعة موضوعة باتفاق على معنى ما واختلف الناس في ذلك المعنى ... فقالت طائفة الشذوذ هو مفارقة الواحد من العلماء سائرهم، وهذا قول قد بينا بطلانه في باب الكلام في الإجماع من كتابنا هذا والحمد لله رب العالمين، وذلك أن الواحد إذا خالف الجمهور إلى حق فهو محمود ممدوح والشذوذ مذموم بإجماع فمحال أن يكون المرء محموداً مذموماً من وجه واحد في وقت واحد وممتنع أن يوجب في شيء واحد الحمد والذم معاً في وقت واحد من وجه واحد، وهذا برهان ضروري وقد خالف جميع

الصحابة - رضي الله عنهم - أبا بكر في حرب أهل الردة فكانوا في حين خلافهم مخطئين كلهم فكان هو وحده المصيب فبطل القول المذكور، وقال طائفة: الشذوذ هو أن يجمع العلماء على أمر ما ثم يخرج رجل منهم عن ذلك القول الذي جامعهم عليه وهذا قول أبي سليمان وجمهور أصحابنا وهذا المعنى لو وجد نوع من أنواع الشذوذ وليس حداً للشذوذ ولا رسماً له وهذا الذي ذكروا لو وجد شذوذ وكفر معاً لما قد بينا في باب الكلام في الإجماع أن من فارق الإجماع وهو يوقن أنه إجماع فقد كفر مع دخول ما ذكر في الامتناع والمحال وليت شعري متى تيقنا إجماع جميع العلماء كلهم في مجلس واحد فيتفقون ثم يخالفهم واحد منهم والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أن حد الشذوذ: هو مخالفة الحق فكل من خالف الصواب في مسألة ما فهو فيها شاذ وسواء كانوا أهل الأرض كلهم بأسرهم أو


(١) الدكتور حمزة المليباري، نظرات جديدة ص ٤٣.
(٢) شرح علل الترمذي ٢/ ٦٢٤.

<<  <   >  >>