للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحدث عنه بقوله: " فينظر في حال المروي فإن كان عدلاً .. قبل ما انفرد به".

وهذا يوضح أنَّ مراده من الشاذ - هنا - الشاذ اللغوي.

لذا فإنه اعترض على تعريف الحاكم والخليلي بالأفراد الصحاح (١)، ولو قال إنَّ من الشاذ ما هو مقبول وأنّه يعبر عن تفرد الثقة بالشاذ لما اعترض على الحاكم والخليلي لما فهم من كلامهما هذا؟

ومن هنا ندرك خطأ العوني لما هجم على ابن الصلاح واتهمه أنه يميل إلى مذهبه وإلى نصرة أقوال إمام مذهبه، أعني الإمام الشافعي، حينما اعترض ابن الصلاح على تعريف الحاكم والخليلي للشاذ، ذلك لأن العوني حاكم ابن الصلاح على فهمه هو لمعنى الشاذ (٢)!!

والذي يدلل على صحة كلامنا أنَّ الأئمة من بعد ابن الصلاح لم يفهموا أن مراده من الشاذ المردود وجود شاذ مقبول، وإلاّ لاعترضوا عليه كما اعترضوا على غيره لما فهموا ذلك من كلامهم؟!

بل الإمام النووي نقل كلام ابن الصلاح دون أن ينسبه إليه وهذا اعتراف بصحة كلامه وباعتناقه للمذهب ذاته (٣).

وهكذا نخلص إلى أنّ ابن الصلاح يسوي بين الشاذ والمنكر في اصطلاح المحدثين.

وخلاصة ما ذكره ابن الصلاح في مبحث الشاذ يرتبط بما ذكره في مبحث العلة إذ قال: " إنّ العلّة هي ما دلَّ على الخطأ والوهم وإنها تتطرق كثيراً إلى روايات الثقات، وإنها لم تدرك بتفردهم - وهم ثقات - أو بمخالفتهم للغير إذا انضمت إليه القرائن التي تنبه الناقد على أن هذا التفرد والمخالفة ناتجان عن الخطأ والوهم، وهذا في الواقع مانع لإطلاق القبول فيما يتفرد به الثقة أو فيما زاده، كما هو مانع لإطلاق الرد فيما خالف الثقة لغيره، وإنما مدار القبول والرد على القرائن العلمية التي لا يحصيها العدد، والتي لا يقف عليها إلا الناقد المتمرس الفطن، إذ لكل حديث قرينة خاصة كما صرح بذلك المحققون، مثلاً: كون الراوي أوثق أو أحفظ قرينة اعتمد عليها النقاد لكنهم لم يعتبروها في


(١) مقدمة ابن الصلاح ص٧٧ - ٧٩.
(٢) المنهج المقترح ص٢٧٦.
(٣) تدريب الراوي ١/ ١٩٦.

<<  <   >  >>