للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد الاستقرار، ومرحلة المستدركات بعد الأصول، ومرحلة المستخرجات على الطرق والشيوخ فهم تبع لأولئك الأوائل، ويندر أن يخلص لهم حديث فات الأوائل - المتقدمين -، كما قال الحافظ ابن الصلاح، وسيتضح هذا الأمر طياً في مباحث هذه الرسالة إن شاء الله تعالى.

ثانياً: منهج النقد الحديثي بين المتقدمين والمتأخرين:

أولاً: عند المتقدمين

يقوم منهج النقد عند الأئمة المتقدمين على مرحلتين:

المرحلة الأولى: وتقوم على نقد المتون، ومن خلالها يتم الكلام في الرواة جرحاً أو تعديلاً، وتمتد هذه المرحلة من عصر الصحابة حتى نهاية النصف الأول من القرن الثاني الهجري، ويتمثل هذا المنهج برد الصحابة بعضهم على بعض حينما يستمعون إلى متون الأحاديث المروية والأحكام المتصلة بها، تلك المتون التي يرونها تعارض بعض المتون الأخرى، كاعتراضات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على بعض الصحابة، أو اعتراضات ابن مسعود، أو ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.

والمرحلة الثانية: وهي تمثل مرحلة التبويب والتنظيم من خلال جمع ودراسة أحاديث كل محدث والحكم عليه من خلال تلك المرويات، ويظهر ذلك في الأحكام التي أصدرها الأئمة على الرواة كعلي ابن المديني، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، وأضرابهم.

ولا يساورنا شك أن بعض العلماء المتقدمين قد تكلموا في الرواة ممن عاصروهم أو لاقوهم جرحاً أو تعديلًا، كالإمام مالك بن أنس، والسفيانيين، وشعبة بن الحجاج،

وحماد بن زيد، والأوزاعي، ووكيع بن الجراح، ثم أن العلماء من الطبقة التي تلت هؤلاء قد تكلموا في الرواة الذين أخذوا عنهم واتصلوا بهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هو كيف نفسر كلام كبار علماء النقد ممن عاشوا في المئة الثالثة في رجال لم يلحقوا بهم من التابعين ومن بعدهم، ولم يؤثر للمتقدمين فيهم جرح أو تعديل حتى نقول: إنهم اعتمدوا أقوال من سبقهم فيهم؟

الجواب: إنهم أصدرا أحكامهم عن طريق تفتيش حديثهم المجموع، واستناداً إلى ذلك.

<<  <   >  >>