للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث بدأ بما هو غلط بعد ذلك الصواب المخالف له، وأما أبو داود - رحمه الله - فكانت عنايته بالمتون أكثر، ولهذا يذكر الطرق واختلاف ألفاظها، والزيادات المذكورة في بعضها دون بعض، فكانت عنايته بفقه الحديث أكثر من عنايته بالأسانيد، فلهذا يبدأ بالصحيح من الأسانيد، وربما لم يذكر الإسناد المعلل بالكلية " (١).

والذي أريد قوله: إنّ إطلاق العبارات النقدية أمر نسبي، يطلقها المجرّح نتيجة لقرائن بدت له، ومن مجموعها أصدر هذا الحكم، وهذه الألفاظ وصفية، أي ليست مرتبة حديثية مستقلة، أطلقها النقاد على تفردات الرواة بما لم يحفظ عندهم، ولما كان الوهم والخطأ من فطرة البشر، فهو أيضاً يشمل رواة الأحاديث، بل من النادر أنك تجد

راوياً سلم من الوهم، حتى جهابذة العلل، يقول عبد الرحمن بن أبي حاتم: " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه شعبة عن منصور عن الفيض بن أبي حثمة عن أبي ذر أنه كان إذا خرج من الخلاء قال: " الحمد لله الذي عافاني واذهب عني الأذى "؟ فقال أبو زرعة: وهم شعبة في هذا الحديث ورواه الثوري فقال: عن منصور عن أبي علي عبيد بن علي عن أبي ذر وهذا الصحيح وكان أكثر وهم شعبة في أسماء الرجال، وقال أبي: كذا قال سفيان، وكذا قال شعبة، والله أعلم أيهما الصحيح، والثوري أحفظ وشعبة ربما أخطأ في أسماء الرجال ولا يدري هذا منه أم لا؟ " (٢).

فهذا أمير المؤمنين في الحديث قد يهم! فما بالك بغيره؟ وهذا الوهم نسبي لا يقاس أمام حفظ وإتقان وضبط شعبة بن الحجاج (أمير المؤمنين في الحديث)، وحسبه شرفا أن تحسب الأحاديث التي أخطأ بها، وهي قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة!

فالراوي كلما وافقت روايته رواية الثقات، ولم تكد تخالف كان إلى الضبط أقرب، وكلما جاءك بالغرائب، والمنفردات كان إلى الوهم أقرب، وأطلق عليه: " يروي الغرائب، له غرائب، ... "، وهذه الغرائب مذمومة عند السلف، قال إبراهيم النخعي:" كانوا يكرهون الغريب من الحديث" (٣)،وقال الإمام مالك بن أنس:"شر العلم الغريب، وخير


(١) شرح علل الترمذي ٢/ ٦٢٦.
(٢) علل ابن أبي حاتم ١/ ٢٧ (٤٥).
(٣) الكفاية، الخطيب البغدادي ص ١٧١.

<<  <   >  >>