هذا وقد قدمت إليكم سادتي هذه العجالة التي أودعت فيها ما شاهدته بتلكم البلدان والأقطار، متبعاً في ذلك السائحين الأوروبيين، مقتدياً بأسلافنا الرحالة المشرقيين أولي السياحات العربية، الذين لهم اليد البيضاء في توسيع نطاق علم الجغرافيا وعادات الأمم، وسار على منهجهم الأوروبيون وجعلوهم ملجأً لهم فيما خفي عليهم من البلدان، حتى استكشفوها وعبروها بأنفسهم، فمنهم الجغرافي الشهير أبو إسحاق الإصطخري الذي طاف ببلاد الإسلام مبتدئا من بلاد العرب إلى الهند إلى الأوقيانوس الأتلانطيقي، ووصف كل بلاد سمع بها أو رآها وصفاً مفيداً، ورسم كتابه بالأقاليم وقد شُغف بكتابه الأوروبيون، وترجم إلى اللغة الألمانية، ويعدون الإصطخري هذا من أول جغرافيي العرب عاش في أواسط القرن السادس من الهجرة، وكذا عُثر له في مكتبة مدينة (جوتا) بأواسط ألمانيا على خريطة بلاد العراق برسم يده مؤرخة في سنة ٥٦٩ هجرية، وهي على قماش بالٍ، وقد رأيت تقليداً لها ببرلين، فنسختها وقلّدت رسمها تقليداً قريباً من الأصل، وهي تحت يدي حتى الآن.
ومنهم ابن حَوْقَل عاش في القرن الرابع من الهجرة، وكان تاجراً من الموصل سافر من بغداد، وطاف البلاد الإسلامية وبلاد البربر والعراق وفارس والأندلس