إلى أن دخلنا بلدنا الأمين، ومقرنا المكين، فمددنا أيدي الوداع نبث الأشواق، ونشكو الفراق. وعمدت للمبيت بها إلى الصباح، حتى إذا ابيضَّ منه الجناح، ودعت هذه البلدة الرائقة والروضة الشائقة، في الباخرة البرية، والسائحة الأرضية قاصداً موضعاً يقال له جيسباخ وجعلت في تلكم الأثناء أطالع كتاباً أدبياً ألمانياً،
حيث كنت وحيداً في العربة، حتى حط بنا القطر في محطة حسبت أنه سيجوزها، ولهتني المطالعة وحسن الموضوع زمناً. في آخره حانت مني التفاتة فإذا بها آخر محطة للبواخر البرية، ورأيت الركاب قد نزلوا باخرة بحرية، وهي تسبح بهم وسط البحيرة، وقد خلفوني وحيداً أضرب كفاً على كف، وأكرر جمل الندم، ولات حين مَنْدَم.
[زورق في بحيرة برينس]
ونزلت إلى المحطة فشمت شابين تلوح عليهما شارة الآداب، ومذ دنوت منهما لأسألهما أخذا يبتسمان، ثم صارا يضحكان، وقالا: تفضل واجلس بجانبنا، فنحن مثلك قد سبقتنا الباخرة البحرية، ولابدّ أن ننتظر عودتها بعد أربع ساعات، فجلست متأسياً، حيث وجدت لي مثيلاً، وشرعنا نتجاذب أطراف الحديث، فعلمت أنهما أمريكانيان أتيا إلى بلاد ألمانيا لأخذ الفنون بمدارسها، وبينما نحن نتقلب على لظى الانتظار إذ لمحنا عربة تقصد نادينا حتى إذا قربت منا نزل منها سيد مع قرينته، وقد تأبطها، وقصد نحونا رافعاً قلنسوته سائلاً متى