فقمت بأعباء الأمر، وأخذت في التجول في أنحاء البلدان والمدن، فاتجهت إلى بلاد ألمانيا الغربية، ثم إلى شمال وشرق سويسرا، ثم إلى ألمانيا الجنوبية، متتبعاً أهم البلاد، مستكشفاً أحوالها الطبيعية الجغرافية والتاريخية، حتى حصلت من ذلك على فوائد جزيلة، وثمرات مفيدة، قد وضعتها ضمن هذا الكتاب إيفاء بحقوق الوطنية، وشكراً للمعارف الجليلة العمومية التي أرضعتني لبان مننها، وكستني حلل كرمها، وخدمة لمصدر الكرم، وولي النعم، مُحيي روح التَّمدن والعمران، وغارس شجرة الصلاح والأمان، من أنام الأنام في ظل عدله، ولحظهم بكرمه وفضله، مليك العصر، وعزيز مصر خديونا الأعظم محمد توفيق باشا الأفخم، أدام الله لنا ذاته الشريفة، ومتَّعنا ببقاء سُدَّته المنيفة، وسرَّنا بحفظ السادة الأنجال بُدور الجلال وشموس الكمال.
وها أنا أوافيكم بالتفصيل، وعلى الله قصد السبيل فأقول.
[الإنطلاق من برلين]
[١٦ آب - أغسطس ١٨٨٩]
بارحت برلين صباح يوم ١٨ ذي الحجة سنة ١٣٠٦ هجرية الموافق ١٦ أغسطس سنة ١٨٨٩ ميلادية قاصداً مدينة كلونيا في قطار يطير في الأقطار، وقد بلَّت أجنحتَه الأمطار، ولم يزل يعرض علينا البلاد والقرى، وأنا أتصفح بعض الكتب لأطلع على مالها من الأهمية مادياً وأدبياً. حتى إذا كان وقت الظهيرة حط