رحاله في مدينة هنوفر فنزلت ملتمساً مشاهدة منظرها، فإذا هي بلدة متّسقة الشوارع متسعتها، وقد كانت عاصمة المملكة المسمّاة باسمها، وفي سنة ١٨٦٦ ميلادية استولت عليها مملكة البروسيا وجعلتها ضمن ولاياتها قبيل الحرب البروسيانية النمساوية كما شرحت ذلك في الجزء الثامن من رحلتنا البرلينية، ثم هي الآن عاصمة تلك الولاية ومنطق أهلها باللغة الألمانية أفصح ممن عداهم، وذلك في إعطاء الحروف حقَّ مخارجها كما هو مشهور، ورأيته بتتبعي لكلامهم.
ولما صاح القطار بنعيرته وأعلن بالرحيل نزلت العربة فإذا أنا فيها وحيد، ولم أشعر إلا وقد انفتح باب العربة فرأيت شاباً وشابة كأنهما القمر والشمس يودِّعان أهلهما وأصحابهما، وقد أخذ الجميع في التقبيل والعناق، وتلاوة كلمات الفراق، ثم أقبلا علي يتهلَّلان فرحاً وسروراً، فألقيا السلام، فرحبت بهما، وشرفت من شأنهما، حتى إذا استقر بهما المجلس، وسار الوابور أخذا يتغازلان. وقد جرى بينهما سر الهوى، وباحت عيونهما بالجوى، فرقَّ لرقتهما قلبي، وهام بشأنهما لُبِّي وبعد لُحيظات لحظاني بعيونهما، حتى إذا علما أني غريب عن جنسهما ظنا أني لم أعرف لغتهما، فقالت فرنساوي؟ وقال بل روسي؟ إسبانيولي؟ بل إيطالياني؟ يوناني؟ بل تركي؟ فعند ذلك أخذني الضحك، فشعرا