وفي وقت العصر لاحت لنا عن اليمين وعن الشمال القرى والبلدان التي منها ثروة ألمانيا، لاشتمالها على كهوف الفحم الحجري المعدني الذي يجلب بسواده الأبيض والأصفر، وقد عبق دخان المعامل التي بها. وبعد هنيهة مررنا بضواحي مدينة يقال لها أسن وإذا بالأرض كأنها تقشعر، وشمنا سحائب الدخان قد ملأت الجو، وصوت المطارق يرعد عن اليسار، ويمثله الصدى عن اليمين، فهالني ذلك، وسألت عما هنالك؟ فإذا هو معمل كروب الشهير بعمل المدافع التي عمَّ
صيتها وصوتها، وهو معمل أنشأه رجل ألماني يدعى كروب سنة ١٨١٠ ميلادية، وهو الآن تحت يد ذريته، وبه ١٠. ٠٠٠ عامل قد اتخذوا حوله مساكنهم، وسمعت أن به مطرقة ثقلها ١٠٠٠ قنطار ترتفع وتنخفض بالآلات البخارية.
وحينما بارحنا تلك الجهة، وفتحت التذكرة لأرقم ما شاهدته التفت إلي رجل مسن هولندي يتكلم باللغة الألمانية، وقال متبسماً: ألا كتبت أيضاً أن صوت المطارق تنادي وتؤذن بالدمار!
فقلت له وإذ علمت مراده: لماذا؟
فقال: أنرى الراحة في الدنيا، وفي الممالك معامل مثل هذا، والحرب الحرب، هي الدمار بعينه ومَخْدَشة لوجه الأمان، وراحة الاجتماع!
فقلت له: أيها الأديب، إن هذا الموضوع حرج صعب المسالك،