قد أَضْرَمَتْ فيه نيرانَ الجدالِ السلفُ، واشتغلت بحديثه الخلفُ، وإني أعضد رأيك ومذهبك، ولكن ذلك إذا نُزع من نفوس الأمم حب الاستئثار والفخار.
فقال: ذلك أشكو، لقد كانت الحرب قديماً لإقامة الأديان، وأما الآن فهي لحب الفخار. . الآن الآن وقد ضرب التمدن بجرانه في أنحاء البسيطة.
فأجبته قائلاً: نعم أنت ومذهبُك. وما علينا إلا أن نبتهل إليه سبحانه بأن يوطد دعائم الصلاح حتى تكون الأرض منزلاً واحداً لعائلة واحدة يقتسمون السرور فيما بينهم، فما ذلك عليه بعزيز.
وبينما نحن بذلك الحديث وإذا بالوابور قد حطَّ رحله في مدينة كلونيا فودعته من حينئذ ونزلت بها وقد شاب النهار وأقبل شباب الليل، فبتُّ بها ليلتئذ حتى إذا كشفت الشمس قناعها، والجو صافٍ لم يطرَّز ثوبُه بعلم الغمام، نزلت قاصداً أول ما يحرك إليه الغريب قدمه ألا وهي كنيستها الكبرى التي اشتهرت بحسن موقعها وجمال صنعها، وريثما طوحت إليها النظر أرتني منها بناء شاهقاً، وجبلاً سامقاً،
تكاد ببرجيها تنطح ثور السماء، ذروتها تخالها للعقرب لسعاء، فدخلتها ضمن الداخلين أمثالي المتفرجين، فما درينا ألاتساع رحباتها نهشُّ، أم لارتفاع دعائمها نُدهش؟ ثم أردنا أن نتسنم سماوتها، ونرتقي ذروتها، فعلونا يقدمنا الدليل لكيلا تشكل علينا السبيل، ومازلنا