فيما بعد بقيمة عظيمة، فابتلاه الله بالفيران فأكلت غلاله واحتاطت به، تلعب عليه أينما سار أو جلس، حتى إنها كانت تقع في مائدة طعامه إذا أكل وتخطف من يديه المأكولات، فلما أعيته الحيل أتى إلى هذه الجزيرة، وبنى بها ذلك البرج ليسكنه هرباً منها، وبينما هو به إذا بالفيران قد ملأت قاعاته ولم يزل مبتلياً بها حتى مات.
وحينما سمعت هذه القصة وما ذكر آنفا، علمت يقيناً أن شواطئ نهر الرين كانت الوطن الثاني لخرافة العُذْري، وأخذني العجب من هذه الخزعبلات، وأمثالها التي ملأت العالم شرقاً وغرباً، وقامت دليلاً على شدة العقل الإنساني إلى التصديق، وحبه المفرط لما كان غريباً أو عجيباً من الأمور، ولخوارق العادات، وليس هذا بأعظم من عجبي من سرعة انتباه أهل أوروبا في هذا العصر الحالي، وتيقظهم
وميلهم إلى حقائق الأشياء، وعدم اعتبارهم لمثل هذه الخرافات، وإن كان فيهم أولو جهالة وطباع بسيطة كباقي الأمم.
ولم نزل نمتع الطرف بمحاسن ما على اليمين واليسار من الشواطئ ذوات الأشجار والأثمار، وقد لبست الشمس جلبابها الأصفر فرَقاً من فراقها لحسن ذلك المنظر: