للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

انطلق العدل في رحلته من برلين في ١٦ أغسطس اب سنة ١٨٨٩ متجها الى مدينة هانوفر وغادرها الى مدينة مندن وهي بلدة قديمة في ولاية فستفاليا ثم زار عددا من المدن الالمانية قبل أن يعبر الى الاراضي السويسرية.

ورجع من سياحته بعد شهر قضاه في شوارع المدن وأحضان الطبيعة الخلابة فوصل الى برلين يوم ١٥ سبتمبر أيلول عام ١٨٨٩.

ويقول الجراح معلقا على رحلة العدل "لم يكن رحالتنا أول من دون يوميات وانطباعات عن ألمانيا أواخر القرن التاسع عشر فقد سبقه رحالة واحد على الاقل هو اللبناني سليم بسترس الذي زار ألمانيا قادما من بيروت عبر الاستانة سنة ١٨٥٥ وعاصره محمد أمين فكري الذي زارها في سنة ١٨٨٩ وهي السنة نفسها التي دون فيها العدل سياحته." ويضيف "لحقت بهؤلاء مجموعة من الادباء والشعراء والباحثين العرب الذين زاروا أوروبا وعرجوا على ألمانيا فدونوا انطباعات شكلت جزءا من مجمل انطباعاتهم عن الحياة الاوروبية."

ويمضي الجراح "نجد أن العدل يتميز عن هؤلاء أولا .. في أن سياحته انحصرت بألمانيا وبالجزء الالماني من سويسرا وبأنه قام برحلته خلال اقامة طويلة نسبيا في برلين أجاد خلالها اللغة الالمانية وقرأ في التاريخ الالماني وعبر مرارا في كتاباته عن اعجابه بالشخصية الالمانية وبشخصية الامير بسمارك على نحو خاص."

السمة الثانية التي تنفرد بها رحلة العدل بين أخواتها من الرحلات العربية أنه تاريخيا يعد الاسبق الذي سعى الى تدوين سياحته بين ألمانيا وسويسرا في كتاب مستقل. وهناك سمة ثالثة هي اشتراكه مع رفاعة رافع الطهطاوي في تكوينهما الازهري بينما تحدر الرحالة الاخرون بمن فيهم المصريون من مرجعية ثقافية مختلفة.

ورأى الجراح ان المشترك بين العدل وهؤلاء الرحالة جميعا أن نصوصهم تكشف عن طبيعة اهتمام النخب العربية المثقفة بأوروبا من خلال تأملها في النموذج الالماني فهي تعبر عن مراحل مهمة من الاتصال المتجدد بالغرب ما بين أواسط القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين.

وقال ان نصوص الرحلات تعكس انطباعات وأفكارا وملاحظات لشرقيين ينتمي أكثرهم الى المجموعات المفكرة التائقة الى تغيير نمط الحياة في الشرق العربي ليساير التطور ويدخل الى العصر وبالتالي تفصح نصوص الرحلة العربية الى ألمانيا وأكثرها مجهول عن رؤية تلك النخبة للحياة الاوروبية كالعمران والتمدن والصناعة والفنون والتعليم والفكر والتخطيط الاجتماعي وغير ذلك مما يشكل بنية الحياة الحديثة وتجلياتها في الثقافة والاجتماع وكذلك نظرتها الى الشخصية الالمانية وما رأت أنها تتميز به من خصال.

<<  <   >  >>