للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حديدي الطرف مُحدَّدَه ليساعدنا على الصعود. فأخذنا الطريق ننهب مسافته، ونستأصل شأفته، وقد تعرَّف كل منا بالآخر، فألفيت أغلبهم ما بين أدباء وعلماء، وآخرين تظهر عليهم مخايل الشرف. وكنا في بادئ الأمر يحتشم بعضنا البعض حتى إذا لحقنا التعب، وصار أن لا مناص من المداعبة والخلاعة أخذ الرجال والنساء في العب والهزل واللهو بدون ما عَذْل، فأطربني منظرهم وأجْذَلَني محفلهم، وقلت لا غَرْوَ فإذا صحت الألفة سقطت الكلفة، وجاريتهم في الميدان منشداً بلسان الحال والجنان:

فيَّ انقباضٌ وحِشْمةٌ فإذا ... لاقيت أهلَ الوفاء والكرم

أرسلتُ نفسي على سجيتها ... وقلتُ ما قلتُ غيرَ محتشمِ

وبينما نحن في لهونا ولعبنا، إذ بَغَتَنا صوتٌ مزعج ارتعدت له الفرائص، فلزم كل منا مكانه باهتاً ظاناً أن الجبال قد تدكدكت، وإذا به صوت انحدار الثلوج في مهاوي الجبال فعجبنا له، وقد مَثَّلَ لنا صوت المدافع المتوالية الطلق، وبعدما كنا

نُدْهَش صرنا نَهَشُّ، وأخذنا الطريق نتسنَّم نجداً، ونتحدر غوراً، حتى وصلنا إلى موضع قامت فيه جبال الجليد عمودية، فسرنا بغنائها يقدمنا الدليل، وإذ نحن بقطعة جليد كأنها القصر تملأ زاوية منفرجة بين جبلين، فهالنا منظرها وألفينا بها مغارة

<<  <   >  >>