اللام هنا في الموضعين لام الأمر، وكذلك في قوله: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) [الحج:٢٩].
[صيغ أخرى للأمر:]
قال الشيخ: (وقد يستفاد طلب الفعل من غير صيغة الأمر مثل أن يوصف بأنه فرض، أو واجب، أو مندوب، أو طاعة، أو يمدح فاعله، أو يذم تاركه أو يترتب على فعله ثواب، أو على تركه عقاب).
هذه الصيغ التي ذكرها الشيخ هنا تدل على مطلق الطلب للفعل سواء أكان جازما أم غير جازم فيدخل فيها الواجب والمندوب.
وقد مثل الشيخ في شرح الأصول لما ذكر فقال (ص/١٤١) ما ملخصه: (قد نستفيد طلب الفعل بغير صيغة الأمر مثل أن يوصف بأنه فرض مثل قوله تعالى لما ذكر أصناف الزكاة قال: (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: ٦٠]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: (أعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات)، وكقوله صلى الله عليه وسلم: (غسل الجمعة واجب على كل محتلم).
كقوله هذا مندوب، ويندب له أن يفعل كذا.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، وقوله: (كل معروف صدقة).
أو يمدح فاعله مثل أن يرتب عليه الثواب: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ) [البقرة: ٢٦١]) وهكذا ...
الأمر المتجرد عن القرائن للوجوب إلا لصارف:
قال الشيخ - رحمه الله -: (صيغة الأمر عند الإطلاق تقتضي وجوب المأمور به).
وهذا الذي اختاره الشيخ هو مذهب الحنابلة والأكثر.
قال الشنقيطي في المذكرة (ص/١٨٩): (والحق أنها للوجوب إلا بدليل صارف عنه لقيام الأدلة , كقوله (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: ٦٣] فالتحذير من الفتنة والعذاب الأليم في مخالفة الأمر يدل على أنه للوجوب.
وقوله: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: ٣٦]، فإنه جعل أمر الله ورسوله مانعاً من الاختيار وذلك دليل الوجوب. وقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ) [المرسلات: ٤٨] فهو ذم على ترك امتثال الأمر بالركوع وهو دليل الوجوب وقوله: (مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [الأعراف: ١٢] فقرعه على مخالفة الأمر. وهو دليل الوجوب وقوله: (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [طه: ٩٣]