والراجح ما ذهب إليه الشيخ بقوله:(ومن العلماء من يرى أن ما خص بالحس والعقل ليس من العام المخصوص وإنما هو من العام الذي أريد به الخصوص إذ المخصوص لم يكن مرادًا عند المتكلم ولا المخاطب من أول الأمر وهذه حقيقة العام الذي أريد به الخصوص).
[ثالثا التخصيص بالشرع:]
قال الشيخ:(وأما التخصيص بالشرع فإن الكتاب والسنة يخصص كل منهما بمثلهما وبالإجماع والقياس).
ومحصل ما ذكر الشيخ هنا تخصيص الكتاب بالكتاب، والكتاب بالسنة، والسنة بالكتاب والسنة بالسنة، والكتاب بالإجماع، والسنة بالإجماع، والكتاب بالقياس، والسنة بالقياس.
فمن أمثلة تخصيص الكتاب بالكتاب: قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)[البقرة: ٢٢٨] فإن عمومه خص بالحوامل في قوله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)[الطلاق: ٤] وخص أيضا عمومه الشامل للمدخول بها وغيرها بقوله تعالى في غير المدخول بها (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)[الأحزاب: ٤٩].
ومثال تخصيص الكتاب بالسنة، حتى مع كونها آحادا عند أحمد ومالك والشافعي رضي
الله عنهم: قوله سبحانه وتعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ)[النساء: ٢٤] فإنه مخصوص بقوله - صلى الله عليه وسلم-: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) متفق عليه.
ومثال تخصيص السنة بالكتاب: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) خص بقوله سبحانه وتعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة: ٢٩].
ومثال تخصيص السنة بالسنة: قوله صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر) فإنه مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة).
وأما التخصيص بالإجماع فالمراد دليله، لا أن الإجماع نفسه مخصص؛ لأن الإجماع لا بد له من دليل يستند إليه، وإن لم نعرفه.
ومثال تخصيص الكتاب بالإجماع قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ)[الجمعة: ٩] خص بالإجماع على عدم وجوب الجمعة على والمرأة.