للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المخصصات المنفصلة.]

[تمهيد - العام الذي أريد به الخصوص:]

العام الذي أريد به الخصوص، هو الذي لفظه عام من حيث الوضع ولكن اقترن به دليل يدل على أنه مراد به بعض مدلوله اللغوي مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران: ١٧٣]، فلفظ الناس عام ولكنه لم يرد به عموم الناس بدليل قوله: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) فدل على وجود أناس جمعوا، وأناس مجموع لهم، وأناس نقلوا الخبر للمجموع لهم. فلفظ الناس تكرر مرتين والمراد به في الأولى: نعيم بن مسعود، أو ركب عبد القيس، وفي الثانية: أبو سفيان ومن معه من الأحزاب (١).

أولاً - التخصيص بالحس:

قال المرداوي في "التحبير" (٦/ ٢٦٣٨): (يجوز التخصيص بالحس، أي: المشاهدة، كقوله تعالى: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) [النمل: ٢٣]، (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) [الأحقاف: ٢٥] فنحن نشاهد أشياء كثيرة لم تؤتها بلقيس كملك سليمان، ونحن نشاهد أشياء كثيرة لم تدمرها الريح كالسموات، والجبال، وغيرها ... ).

[ثانيا - التخصيص بالعقل:]

قال المرداوي في "التحبير" (٦/ ٢٦٣٩): (قوله: {والعقل أيضا} من المخصصات المنفصلة. العقل ضروريا كان أم نظريا، فالضروري كقوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الرعد: ١٦]، فإن العقل قاض بالضرورة أنه لم يخلق نفسه الكريمة، ولا صفاته (٢). والنظري كتخصيص قوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) [آل عمران:٩٧] فإن العقل بنظره اقتضى عدم دخول الطفل، والمجنون بالتكليف بالحج؛ لعدم فهمهما، بل هما من جملة الغافلين الذين هم غير مخاطبين بخطاب التكليف. قال بعض أعيان الشافعية: لا خلاف في ذلك. قال البرماوي: نعم، منع كثير من العلماء أن ما خرج من الأفراد بالعقل من باب التخصيص، وإنما العقل اقتضى عدم دخوله في لفظ العام، وفرق بين عدم دخوله في لفظ العام، وبين خروجه بعد أن دخل ... ).


(١) "أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله" (ص/٢٩٧).
(٢) قال الشنقيطي في المذكرة (ص/٢٠٩): (دل العقل على أنه تعالى لا يتناوله ذلك وان كان لفظ الشيء يتناوله كقوله: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: ٨٨] وقوله: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ) [الأنعام: ١٩]).

<<  <   >  >>