لا ينبغي لمن يكتب أن يكون مجرد آلة كاتبة، تنقل لنا ((نسخة)) دون أن تقدر للكلمات التي كتبتها أي نتيجة اجتماعية. إن على من يكتب واجبا إزاء الكلمات التي يكتبها، يجب عليه أن يتتبعها، خارج مكتبه، في معركة الحياة والصراع الفكري. أن يتتبعها في عملها في المجتمع ... يجب عليه أن لا يغفل تلك الصلة- صلة السبب بنتيجته- التي تنشأ في إطار مشكلة اجتماعية واحدة، إذ تنشأ بصفة أوتوماتيكية فكرة هي علاقة بين من يكتبها وبين من يصيرها أو يحاول أن يصيرها عملا ... ومن هنا ينشأ واجب آخر لمن يكتب، هو أن تكون له فكرة صحيحة بقدر الإمكان عن شخصية القارئ، الذي يقوم بدور رئيسي في تقرير قيمة الأفكار الاجتماعية، لأنه هو العامل المحول الذي يحول الفكرة فيصيرها واقعا محسوساً في سلوكه أو شيئا ملموسا في محيطه.
وهذه الصلة ليست ذات اتجاه واحد بل اتجاهين: فإذا كان الكاتب يوجه القارئ بما يكتب، فإِن القارئ يوجه أحيانا الكاتب بموقفه إِزاء الأفكار.
فرجل الشعب قد تكون له في مشكلة معينة آراء أقرب للصواب من الرجل المثقف، لأن الأول طليق النظر لا يحد بصره منهج معين، بينما ينظر الثاني إلى الأشياء من خلال منهج يضع على بصره ((شوافات)) كتلك التي توضع على عيني البغال أو الحمير، كي لا ترى ما هو خارج عن طريقها.
والواقع أن القارئ في الجزائر غالبا ما يكون رجل الشعب لا رجل ((النخبة)) فالنخبة عندنا لا تشعر بحاجة للمطالعة بعد تخرجها من الجامعة، وعملها الفكري