لقد حذرت، في مقالة سابقة، شبابنا من الخطأ الذي نقع فيه أحياناً، عندما نتناول مشكلة في مكان غير مكانها، ولعل القارئ وجد في هذا التحذير شيئاً من المبالغة. إذ أننا، في نظره، لم نتعود على هذا الخدط ((بين أنبولة بقر وفانوس))، حتى يبدو أننا في غير حاجة إلى مثل هذا التحذير.
ولكنني أدين بفكرة هذا الاحتياط، مهما يبدو فيه من المبالغة في نظر البعض أو البساطة في نظر الآخرين، إنني أدين بهذه الفكرة إلى رجل أدين إِليه أيضاً بالفضل الكبير في ميدان الفكر فهو وجه من الوجوه المشرقة بنور العلم، يجمع في شخصه المواهب الفكرية والميزات الأخلاقية التي يتسم بها رجل علم فرنسي كنت تلميذه بباريس.
إن هذا الأستاذ الكبير كان يعلم تلاميذه كي يحتاطوا من ((البديهيات)) الخادعة التي تخدع الفكر بظاهر الأشياء ...
وكان هذا الأستاذ الكبير يستشهد في هذا الدرس، الذي يتعلق بفلسفة العلم، بقصة غاليلي ( Galilée) الذي دفع حياته ثمناً في مقابل الخطأ الذي وقع فيه معاصروه عندما أخرج لهم نظريته المدهشة، التي تقول لأول مرة، بأن ((الأرض هي التي تدور حول الشمس)) بينما كان الناس يعتقدون أن الشمس هي التي تدور حول الأرض. ولقد كان الخلاف بين من يرى مرأى الفكر مثل غاليلي، ومن يرى مرأى العين أي كافة الناس الذين كانوا ((يرون بكل وضوح الشمس تدور ... ))