إننا نعرف في الجزائر، وفي البلاد الإِسلامية الأخرى، ذلك الوجه المألوف، وهو يشق طريقه بين الجماهير في أسواق المدينة وبطحائها، يوزع مجاناً ماء غدقاً يسكبه من قربة يحملها بجنبه يمر وهو يكرر كلمته المعروفة لدى أجيال المسلمين:
- في سبيل الله! السبيل! ..
إننا نعرف هذا الوجه الأصيل، بين وجوه أخرى كذلك المؤذن، وهو يوزع في الواقع زهده، وطمأنينة عقيدته وروحانيته العميقة في الأسواق ..
فكل حضارة تصنع هكذا نماذج اجتماعية ووجوهاً تقليدية تتعاقب في الأجيال، تضع عليها طابعها، وترسم على ملامحها ما يعبر عن رسالتها الخاصة.
فالحضارة الغربية، باعتبارها شغالة ومهنية، قد صنعت النموذج الاجتماعي المطبوع بما نسميه مثاليتها، أي المطبوع بالعبقرية التي تتمثل فيما يطلق عليه الإنجليزي ((الشغل)) ( Business) وبالحكمة التي يعبر عنها هذا الرجل فيقول:
- إن الوقت درهم ...
ومن الطبيعي أن يكون هذا النموذج متنوعاً حسب الحاجة في مجتمع اعتنى أكثر من غيره بالتخصص وتوزيع العمل.
إِننا لا نجد هذا النموذج متمثلا فحسب في البقال، وفي السمسار الذي يعرض العمارات للبيع، وفي بائع الحديد القديم، وفي بائع المخلفات أي في كل بائع لشيء من الأشياء، بل نجده متمثلا في البائع الذي يبيع ((لا شيء)) .. أي