للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الْفَوْضَى الْاِسْتِعْمَارِيَّةُ

الشاب المسلم في ٢٦/ ٢/ ١٩٥٤

ــ

كيما يبرر الاستعمار استبداده التام في العالم لابد من تعقيم ثلاثة أرباع الأمة لتصبح غير قادرة على الخلق والإدراك، وهذا التعقيم ليس العملية الوحيدة من نوعها التي ندين بها للاستعمار، بل ندين له بشيء آخر: لقد عقم أيضاً المفاهيم القانونية والقيم الأخلاقية التي قامت عليها، كقواعد عامة، علاقات الشعوب والأفراد.

ومن بين هذه المفاهيم والقيم، تلك القاعدة التي تسير عليها الأحوال الشخصية في كل مجتمع، حين ينصب العرف أو السلطة الشرعية من يقوم بمصالح القاصر حتى يبلغ رشده، شريطة أن لا يسرف في تلك المصالح، إذ عليه أن يتصرف بما يفيد القاصر رعاية لمصالحه وتمريناً له على تدبر شؤونه بنفسه.

وليس مفهوم ((الحماية)) في العرف الدولي الخاص في عهد الاستعمار، إِلا امتداداً لمفهوم ((الحضانة)) في العرف الشخصي، مهما يكن في هذا الامتداد من تعسف نحو حقوق الشعوب المستعمرة.

ولعله من الممكن أن يحدث الانتقال من نطاق القانون الشخصي إلى نطاق القانون الدولي تغييراً ما في صورة المفهوم الذي يجري عليه مفعول هذا الانتقال، ولكن الذي هو غير طبيعي أن يصبح هذا التغيير قلباً لمفهوم الوصاية على القاصر في القانون الشخصي حتى ينعكس معناه في إطار المفهوم الدولي.

إن لدينا في مفهوم ((حضانة)) مقياساً طبيعياً نقيس به من الوجهة الأخلاقية والقانونية، مفهوم ((حماية)).

<<  <   >  >>