وإننا محقون في الرجوع إلى هذا الأصل الفقهي، لا سيما ونحن لا نرى من يلجأ إلى الاعتزاز بالقانون واحترام المعاهدات كالاستعمار، يخفي بجمله الرنانة شراسته الملتهمة ولا نرى مثله يعتز بالأخلاق ليخفي بشعاراته نفاقا مرضيا.
على أن الشيء الذي تعارف عليه الناس، هو أنه إذا حدث في تصرف من تسند إليه حضانة قاصر، أي أمر يخل بمصلحة هذا القاصر، فان المجتمع يتدخل باسم العادات كي ينهي فضيحة لا يحتملها العرف وكي يلغي خضانة لا تفي بشروطها.
وهذا التدخل يصبح حاسماً إذا كان الخلل لا يعني فقط الإِسراف في أموال القاصر لحساب مصالح شخصية أخرى، بل يستهدف إبقاء القاصر في حالة قصور، بوسائل غير شريفة، بتزييف إدراكه وفكره، وبتلويث طبيعته.
ففي الحالات هذه جميعها تصبح الحضانة منافية للأخلاق، ويلغى تلقائيا عقدها، طبقا للتقاليد التي تعتز بها الإِنسانية.
ولكن مهارة الاستعمار في إخفاء أو إِنكار الواقع لا يفوقها شيء، كما تدل على ذلك وقائع مشهورة كاختطاف الملكة رنافالو، ملكة مدغشقر (١) وكقصة ملكة أخرى حكمت كوريا قبل الاحتلال الياباني، أو كما تدل أعمال لصوصية أخرى يفسرها الاستعمار على أنها عقود ومعاهدات كميثاق ((الجزيراس)) الذي قرر مصير مراكش وفتح هذه البالاد للاستعمار، أو عقد قصر الباردو الذي وضع تونس تحت الحماية الفرنسية.
كما أنه لمن المهارة أن يضفي الاستعمار على عمليات استغلال وقرصنة ألقابا رنانة مثل ((رسالة تحضير)).
ولكن الاستعمار لا يقتصر على هذه المهارة بل يتعداها إلى النكران السافر للواقع الملموس، فالمستعمرون لا يقتنعون بمجرد الإِسراف في ثروات الشعوب
(١) الملكة التي اختطفها الجنرال غالبيني كي يبرر بوحودها بين يديه وبسكوتها المحتم قبول الحماية الفرنسية على الجزيرة الكبيرة.