إن شيئاً يسمى ((الضمير العالمي)) أراد أن يدخل الوجود، فقدم أوراق اعتماده، قدم ((ميثاق الأمم المتحدة)) و ((التصريح بحقوق الإِنسان)).
ولكن الروح ((الديمقراطية)) التي أشرفت على تحرير هذه الوثائق التاريخية، لم تكن ديمقراطية إلا اسماً، إذ أنها نسيت فيما حررت أن تنص على قضية ((الشعوب)) وهكذا انصرف اهتمامها إلى ((الدول)) وفي غمرة ذلك نسيت البتة أن تذكر شيئاً بخصوص الإِنسان الذي جعله الاستعمار في وضع شاذ يتمثل في ابن المستعمرات.
وهكذا لا نجد في اهتمام تلك الوثائق بمصلحة الإنسان (سواء باعتبارها من خلال الجماعات أو الأفراد) إلا مزيداً من التأكيد والتقرير لمصلحة الكبار.
وهذا ((الضمير العالمي)) الذي يلتزم السكوت بحكمة وهدوء، عند الضرورة، لا يجد شيئاً يقوله من أجل بعض ((القضايا الداخلية)) حسب تعبير الاستعمار في حديثه عن القضايا المتصلة بالبلاد المستعمرة ..
وهكذا أصبح البلد المستعمَر، بمقتضى هذه المسلمة، ((ميداناً داخلياً)) لا يتدخل فيه ((الضمير العالمي)) أي الأمم المتحدة.
وهذه المسلمة ينتج عنها مما ينتج تجاه البلاد المستعمرة، أن لا تبقى سلطة يرجع إليها الشعب المستعمَر، ولا قانون يحمي ابن المستعمرات.
إن هذه النتائج، تثير الدهشة، سو اء اعتبرناها بالنسبة للجماعات أو الأفراد، حيث إن النظام السياسي إذا لم يكن تحت سلطة ورقابة الشعب، فإنه سوف ينقلب حتماً ضد الشعب.