قواعدها، وصيرها شواذاً لا تتصل بقاعدة. إننا نبلغ الذروة عندما نرى الاستعمار يحاول إدخال هذا الشذوذ تحت حكم قواعد يضعها هو. وهكذا تمر هذه الأيام بمحاولة من هذا النوع أو بالأحرى تمر بمحاولات لربط هذا الوضع الشاذ بقواعد يطلق عليها منوني ((الموقف الاستعماري)).
وعندما تتصل هذه المحاولات بالمستوى الفكري، فإنها تدهشنا، لأنها تكشف لنا إِلى أي حد تبلغ السلطات الاستعمارية في تعذيب المفاهيم الشرعية وتدليسها كي تفتعل منها القواعد اللازمة للكائنات الشاذة التي ولدها الاستعمار مثل ((السيادة المشتركة)) (١).
فهذا المفهوم الجديد هو أحد تلك الكائنات التي تكونت في ذلك المناخ الخصب من الشذوذ الذي وُلدَ الاستعمار فيه وَوَلَّد. فمن طرائف الطبيعة ما يحكى عن ذلك الطير الذي يبيض بيضاته في عش غيره من الطيور بعد أن يلقي ما يوجد به من بيض على الأرض، فيكون صاحب العش مضطرا هكذا على قبول ما يفرخ في عشه من غير صلبه.
فالاستعمار ليس بالضبط مثل هذا الطير الغريب لأنه لا يحتل فقط عش غيره، بل يحتل أيضا ما ينتجه الشعب المستعمَر من يد عاملة بلا ثمن، كي يسخرها في حقل ((رسالته الحضارية)) على حد زعمه.
إنه لا يسلب الشعب المستعمَر أشياءه فقط بل يستولي أيضا عدى نفسه، وهذا الاختلاس المزدوج هو ما يحاول أن يخفيه بكلمة جديدة ((السيادة المشتركة)) كما لو قال الطائر المختلس: ((العش المشترك)).
ولو رجعنا بهذا المفهوم الجديد إلى المقاييس المستعارة من الأحوال الشخصية، كما سبق إليها الإشارة، فإِننا نجد أنفسنا في الحالة التي يكون فيها من أسندت له الحضانة قد تعمد التزييف، ليسلب ((القاصر)) بعض حقوقه، من ناحية، وليدلس على الرأي العام من ناحية أخرى ..
(١) صنع هذا المصطلح الغريب يوم كانت المعركة التحريرية تبلغ ذروتها بمراكش.