ديماغوجية تلعب بعواطف الجماهير. فقد اختط مالك بن نبي طريقاً إلى عمق القضية، يطرح القواعد الثابتة لتطور التاريخ، ثم يشرع في بناء الذات الجزائرية على أساس تلك القواعد.
لم يكن يعنيه أن يلعن الإِدارة الاستعمارية. لقد اختار الطريق الأصعب والأشق عليه، حين اهتم بفضح وسائلها تنويرا للرأي وتبصرة للطريق.
ولم يكن الطريق إلا تلك الشروط الموضوعية لنهضة فاعلة.
لذلك أصدر في تلك الحقبة بالفرنسية، ـ[شروط النهضة الجزائرية]ـ، ثم ومن أجل ربط هذه الشروط بالقيم الإِسلامية التي رسمت حدود الأصالة الجزائرية، أصدر بالفرنسية في تلك المرحلة، ـ[الظاهرة القرآنية]ـ، ليضع للشباب الجزائري المتصل بالمنهج الديكارتي، ضوابط تمسك في نفسه عروة العقيدة.
وإذ هو يدعو إلى بعث جديد للقيم الإِسلامية التي كونت تاريخ الجزائر، نراه يطرح في تلك المرحلة أيضا كتابه بالفرنسية، (( Vocation de L'Islam)) المترجم إلى العربية بعنوان: ـ[وجهة العالم الإِسلامي]ـ.
وقد حاز هذا الكتاب في بداية الخمسينات شهرة واسعة، ومنح الشباب المسلم في الجزائر وخارجه، سبل الخروج من ذلك المستنقع الذي وقع فيه العالم الإِسلامي، والذي يطلق عليه مالك بن نبي رحمه الله مجتمع ما بعد الموحدين، وقد مني هذا المجتمع بمرض اجتماعي سماه ((القابلية للاستعمار)).
فمقالات بن نبي ـ[في مهب المعركة]ـ ليست إلا صدى لهذه الكتب، يتتبع أحداث تلك المرحلة في الإِطار السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي، يحاول من خلالها تسليط الأضواء على المشاكل الحقيقية التي ينبغي للشباب الجزائري أن يتوفر بفعالية لحلها.
وبالرغم من عهد مضى في تاريخ الجزائر، تناولته هذه المقالات، فإنها لا تزال تحمل في طياتها نبض المشكلة وعمق حلولها.