• {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} أي: إِنِّي قَابِضُكَ، مأخوذةٌ من قولهم: تُوِفِّيَ الدائنُ دَيْنَهُ أي: قَبَضَهُ، وَعِيسَى قد قَبَضَهُ اللهُ إليه في السماءِ وَرَفعَهُ حتى ينزلَ في آخِرِ الزمانِ، هذا قولٌ.
والقول الثالث: أنها وفاةٌ حقيقيةٌ، تَوَفَّاهُ اللهُ وفاةً حقيقيةً وَسَيُحْيِيهِ في آخِرِ الزمان وينزل إلى الدنيا، والصحيح أنها وفاةُ نَوْمٍ؛ لأن الله عز وجل لمَّا أراد أن يرفعه إلى السماء أَنَامَهُ ليسهل عَلَيْهِ الانتقالُ من الأرض إلى السماء؛ لأن الانتقالَ من الأرض إلى السماء ليس بالأمر الْهَيِّنِ لطولِ المسافة وَبُعْدِهَا ورؤية الأهوال فيما بَيْنَ السماء والأرض وفي السماوات أيضًا، فَأَنَامَهُ الله ثم رَفَعَهُ نَائمًا حتى وَصَلَ إلى السماء، لَكِنَّ هذا القولَ لا يُنَافِي القولَ الأولَ الَّذِي معناه: قَابِضُكَ؛ لأن نهايتَها واحدةٌ، أما القول الثالث: أنها وفاةُ موتٍ، فقولٌ ضعيفٌ يُضَعِّفُهُ قولُه تعالى:{وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}(النساء: ١٥٩)، قَبْلَ مَوْتِهِ أي: عِيسَى، وهذا يَدُلُّ عَلَى أنه لم يَمُتْ، ولأن الله تعالى لم يَبْعَثْ أحدًا بعد الموت فيبقى كما في نزول عيسى عَلَيْهِ السلام في آخِرِ الزمان؛ ولأنه -أعني إطلاقَ الوفاةِ عَلَى النوم- كثيرٌ من القرآن، يعني ليس بمعنًى غَرِيبٍ حتى نقولَ: لا يَصِحُّ حَمْلُها عليه، بل هُوَ معنًى له كثرةٌ في القرآن.