[أمثلة على العلل في الحديث]
ومن أمثلة العلل في السند أو في المتن ما يلي: المثال الأول: حديث رواه قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض).
فظاهر الإسناد الصحة؛ لأن رجاله ثقات, لكن العلة الموجودة في هذا الحديث هي عدم السماع, فقد رجح المحدثون على خلاف بينهم أن الأعمش لم يسمع من أنس، وهذا رأي أكثر من المحدثين؛ فلذلك أعلوا الحديث بعدم سماع الأعمش من أنس بن مالك رضي الله عنه.
قال ابن المديني: الأعمش لم يسمع من أنس بن مالك , وإنما رآه بمكة يصلي خلف المقام.
والرؤية لا تعد من الرواية، لابد أن يكون قد سمع من أنس.
والعلة الثانية في هذا الحديث: هي عنعنة الأعمش، فحتى لو قلنا بثبوت سماع الأعمش عن أنس , فإنها تبقى لنا علة أخرى وهي العنعنة، وقد اشترط العلماء لقبول رواية المعنعن ومنهم الأعمش شروطاً أولها: اتفاق المحدثين على سماعه ممن هو فوقه.
ثانيها: الملازمة لشيخه، وهو قول الذهبي؛ لأن الملازم لشيخه قلما تفوته الأحاديث، وإن فاتته سمعها من شيخه مرة ثانية.
ثالثها: إذا روى الإمام شعبة عن الأعمش، فإنه قال: قد كفيتكم تدليس الأعمش.
وهذه الشروط فيما لو روى الأعمش في غير صحيح البخاري فقط؛ لأن البخاري اشترط في صحة الأحاديث التي يرويها السماع، فتحمل عنعنة الأعمش في البخاري على السماع والله أعلم.
مثال آخر للأحاديث التي فيها العلة: حديث رواه يعلى بن عبيد عن الثوري عن عمرو بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: (البيعان بالخيار).
وعلة هذا الحديث: أن أصل راويه هو: عبد الله بن دينار , فالعلة في السند، وهنا قال: عن الثوري عن عمرو بن دينار , والرواية الصحيحة هي: عن عبد الله بن دينار , يعني: أن غير يعلى من أصحاب الثوري روى هذا الحديث عن الثوري عن عبد الله , فوهم يعلى وأخطأ، فرواه عن الثوري عن عمرو بن دينار.
فهذه علة في السند لكنها لا تقدح في المتن, فالمتن صحيح على كل حال.
ومن الأمثلة على العلة في المتن: حديث أنس في صحيح مسلم، وهذا الكلام للشيخ أحمد شاكر , وهو أن أنساً قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] قال: ولم يقرأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١])، فنفى قراءة البسملة.
وهذا الحديث انفرد به مسلم عن البخاري , وهو من طريق الوليد بن مسلم.
وقد أعل هذا الحديث الشافعي والدارقطني -والدارقطني هو الجبل في هذا الباب- وأعله كذلك البيهقي وغيرهم, فأعلوا الرواية التي صرح فيها أنس بعدم قراءة البسملة؛ لأن الحديث الذي في الصحيحين عن أنس يقول: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]) فزاد الراوي عن أنس اجتهاداً منه: (لا يقرءون {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١])، وكأنه فهم من الحديث الأول أنه لا يقرأ بالبسملة في بداية السورة، وهذا فهم خاطئ.
والصحيح في الرواية: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١] يستسر بها)، كما روت أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها.
إذاً: فهذا مثال من الأمثلة على العلة في المتن.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله خيراً.