[تعريف الحديث الحسن لغيره]
الحديث الحسن لغيره هو: الحديث الذي في إسناده راو ضعيف، كـ ابن لهيعة أو مجالد بن سعيد أو حجاج بن أرطأة، ففي الإسناد في طبقة من طبقاته راو من الرواة ضعفه العلماء، كأن يقول فيه مثلاً يحيى بن معين: صالح، يعني: صالح للاعتبار لا صالح للاحتجاج، وإن قال فيه ابن أبي حاتم: صالح، فهو صالح للاعتبار لا صالح للاحتجاج، هذا هو الراجح الصحيح في معنى قولهم صالح.
إذاً: إذا وجد راو ضعيف في طبقة من طبقات الإسناد وجاء راو آخر مثله ضعيف فاعتضد به وتقوى به فيرتقي الحديث إلى الحسن لغيره.
واشترط العلماء في المتابعة أن يكون مثله أو أرقى منه لا دونه، يعني يقال في هذا: لين الحديث، والآخر يقال فيه: صدوق، أو يقال فيه: لين الحديث مثله، فيشترط في المتابع أن يكون مثله أو يكون فوقه، ولا يصح أن يعتضد بمن هو أدنى منه، هذا الشرط الأول.
الشرط الثاني: ألا يكون الضعف شديداً، كأن يقال مثلاً في الراوي كـ نوح الجامع: كذاب وضاع، أو يكون الراوي متهماً بالكذب، والفارق بين الكذاب والمتهم بالكذب يسير.
أو يقال مثلاً: اختلط، فالاختلاط ضعف، أو يقال مثلاً: ضعيف جداً، أو يهم كثيراً فترك، هذا الضعف شديد لا يمكن أن ينجبر.
وقد مثل له بعضهم بحديث: (أشمي ولا تنهكي، فإنه أحظى للزوج وأنضر للوجه)، وهذا التمثيل مثل به بعض العلماء الذين يقولون بحرمة الاختتان للنساء، وهذا كلام باطل في أصل وجهه، قال أستاذ وهو رئيس قسم في الحديث: هذا حديث ضعيف لا يؤخذ به، فردت عليه امرأة، مع أن علم الحديث هو للذكران من العالمين وليس للإناث، لكن الحمد لله أن النساء هنا كالجبال.
وقد كان الشيخ أبو إسحاق دائماً يقول: يا محمد، دعك من النساء في علم الحديث، هذا العلم خاص بالذكران من العالمين، فنقول: لا، الخير في الأمة كالمطر لا يدرى في الأول أم في الآخر، فكثير من النساء كن محدثات حافظات، والآن ترى أسانيد القرآن أكثر ما تكون في الإسكندرية بالذات مع النساء، فالنساء تفوقن حقاً على الرجال في الأسانيد، لكن إذا تنطعن يضربن حتى يقفن مكانهن.
فالواقع أن النساء تفوقن على الرجال في مسألة الأسانيد، فممكن تتفوق المرأة أيضاً على الرجال في الاصطلاح والحديث.
الشاهد أن امرأة قامت فقالت له: هذا الحديث ضعفه ضعف منجبر، فقد جاء من عدة طرق، وذكرت الطرق، فماذا قال لها؟ قال: هذه الطرق فيها وهم، ولا تزيد الحديث إلا وهماً على وهم، وكلامه هذا يرد السنة بأسرها؛ لأنه يوجد أحاديث كثيرة جداً حسنت وهي ضعيفة؛ لأنها جاءت من طرق كثيرة، فمن يقول: الضعف لا ينجبر بحال من الأحوال فهذا يرد السنة بأسرها، ولا بد أن يضرب على أم رأسه.
فالصحيح أن الضعف الذي هو غير شديد ينجبر بغيره إن كان المتابع للضعيف مثله أو فوقه.
إذاً: يوجد شرطان حتى يرتقي الحديث الضعيف إلى الحسن لغيره: الشرط الأول: ألا يكون الضعف شديداً، بل يكون الضعف ضعفاً منجبراً.
الشرط الثاني: أن يأتي من طريق آخر، وهذا الطريق يكون مثله أو فوقه، فإن كان دونه لا يرتفع به، فلا بد أن يكون مثله أو فوقه.