للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثناء الناظم على الله في أول النظم]

ثم ثنى أدباً مع ربه جل في علاه بالحمد، وهذا أيضاً من الآداب عند كل مصنف، فيبتدئ بالحمد لله جل في علاه، فما من داع يدعو ويريد أن يقبل دعاؤه إلا لا بد أن يصدر دعاءه بالحمد والثناء على الله جل في علاه.

وما من خطيب يخطب إلا ويصدر خطبته بالحمد والثناء على الله جل في علاه.

وما من عامل يعمل إلا ويستفتح عمله بالحمد والثناء على الله جل في علاه، فتأدب المصنف بأن أثنى على الله جل في علاه، فيحمد الله على أشياء كثيرة، يحمد الله أولاً على طلب العلم، ويحمد الله على إتقان هذا العلم، ويحمده هذا على التصنيف الذي يصنفه، فيخرج للناس مصنفاً يكون مداداً لحسناته فيقرؤه وينتفع به الناس، ولا شيء ينفع المرء في قبره مثل العلم الذي ينتشر بين الناس، فيحمد الله على ذلك.

والحمد معناه في اللغة: الثناء.

وفي الشرع: الثناء الجميل على الله جل في علاه بنعوت جماله وجلاله! إذاً: الحمد: هو الثناء الحسن على الله أو على صفات الله اللازمة والمتعدية.

والفرق بين الحمد والشكر: أن الشكر لا يكون إلا للصفة المتعدية، يعني: للإنعام والإفضال، قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة العظيم: (فيقولون: ألا تشفع لنا؟! فأقول: أنا لها أنا لها! فآتي عرش ربي فأسجد، فأحمد الله بمحامد) يعني: أثني على الله ثناءً ما كنت أعلمه، (فأحمد الله بمحامد ما كنت أعلمها، فأحمد الله بها، علمني الله إياها) يعني: وقت السجود، (فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع)، فيثني على الله خيراً.

فالثناء على الله جل في علاه هو الحمد، والشكر هو الثناء بمقابلة النعمة التي أجزلها الله لك أو أنعم عليك بها.

إذاً: الحمد أعم هنا من الشكر، فالشكر للصفة المتعدية، والحمد للصفة اللازمة والمتعدية، أي أنك تحمد الله جل في علاه على كماله وجلاله، وتحمد الله على إفضاله وإنعامه عليك، أما الشكر فتحمده على إفضاله عليك.

وإذا نظرت إلى الآلة وجدت الحمد لا يكون إلا بإقرار القلب واللسان، وأما الشكر فيكون بإقرار القلب، والتلفظ باللسان، والعمل بالجوارح، فهنا يكون الشكر أعم من ناحية الآلة، وقد قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ:١٣]، فتأدب المصنف فبدأ مصنفه بالحمد لله جل في علاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>