[تدريبات عملية في تصحيح الأحاديث]
نأتي إلى التدريب العملي ونضرب مثلاً على ذلك: روى البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد والسير قال: حدثنا مسدد، حدثنا معتمر -وهو المعتمر بن سليمان بن طرخان - قال: سمعت أبي -يعني: سليمان بن طرخان - قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر).
فانظر عملياً لهذا الحديث ودعك الآن أنه من البخاري، وكأننا لا نعرف شيئاً عن البخاري ونريد أن نكشف عن هذا الحديث، -ومجنون في عقله من يذهب يبحث عن أحاديث البخاري، ولا يكون ذلك إلا للفحول الذين انتقدوا الأحرف اليسيرة التي يمكن أن ينظر فيها متكلم-.
فـ البخاري روى الحديث هنا عن مسدد، فنحن نريد أن نقول في النهاية: هذا الحديث حديث صحيح، وكيف نقول: إنه حديث صحيح؟ قلنا: أولاً: لابد من اتصال السند، واتصال السند معناه أن يصرح التلميذ أنه سمع الحديث من شيخه.
وننظر هنا، فـ البخاري جبل الحفظ أمير المؤمنين في الحديث ومفخرة كل محدث يقول: حدثنا مسدد، فهذا ليس فيه انقطاع؛ لأن قول الراوي حدثنا يعني: أنه حدثه وسمعه بأذنه.
إذاً البخاري قال: حدثنا مسدد، فنقول: الراوي الأول قد سمع من الثاني.
ومسدد بن مسرهد قال: حدثنا معتمر بن سليمان.
فنقول: سمع مسدد من معتمر واتصل السند إلى هنا.
ونأتي إلى الثالث وهو معتمر بن سليمان يقول: سمعت أبي.
فإذاً يكون سماعاً لا شك فيه، إذاً: الاتصال بين معتمر وأبيه قد وجد.
ثم نأتي إلى سليمان، وسليمان قال: سمعت أنس بن مالك، وأنس بن مالك يحدث عن رسول الله.
إذاً سليمان سمع من أنس فاتصل الإسناد إلى أنس ويبقى لنا أن نبحث عن أنس، وهنا نقول: إذا قال أنس (قال) أو (عن) أو (أن) فكلها عندنا بمنزلة (حدثنا) لأنه إن قال أحد الألفاظ السابقة فقد قالها عن غيره من الصحابة، والصاحب سمع من النبي صلى الله عليه وسلم.
فالقاعدة هي أنك إن كنت تبحث لتصحح أو تضعف، فلا تبحث في الصحابي عن أي شيء؛ لا اتصال السند ولا عدالة الراوي، فكل هذا متوفر فيه.
وإلى هنا نقول: اتصال السند قد توفر، وبقي لنا شرط آخر وهو عدالة الراوي.
وبإيجاز ننظر: فـ البخاري قد تكلم بعض العلماء فيه، لكن الكلام فيه لا يفيد ولا يؤثر، فـ البخاري جبل الحفظ وأمير المؤمنين في الحديث ثقة ثبت.
ومسدد روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.
فـ مسدد ثقة ثبت.
ومعتمر من الثقات الأثبات، وأبوه سليمان بن طرخان ثقة ثبت، وأنس بن مالك ثقة ثبت ثبت.
وقول العلماء: ثقة، تساوي عدالة زائد ضبط، فمن قال فيه العلماء ثقة فقد عدلوه وشهدوا له بالضبط.
وبهذا انتهينا من العدالة والضبط.
ويبقى لنا عدم الشذوذ فنقول: هذا الحديث ليس عندنا أي حديث يخالفه، فليس هناك ثقة خالفه، فيكون الحديث بهذا قد توفر فيه عدم الشذوذ.
ثم ننظر في شرط عدم العلة، فنقول: الحديث رواه البخاري فإذاً هو غير معلول، فأي حديث فيه البخاري فليست فيه علة، فـ البخاري قد جاوز القنطرة.
وعليه فقد توفرت الشروط الخمسة وصح الحديث من حيث الإسناد.