يختلف حكم المستحاضة باختلاف صنفها في الحيض، فالمرأة المميزة التي تميز بين دم الحائض وبين دم الاستحاضة كأن جاءها الدم خمسة أيام، وعرفت أن هذا الدم هو دم الحيض بلونه ورائحته وصفته المعروفة، ثم بعد خمسة أيام استمر الدم معها بالنزول، فنظرت فوجدت الدم الذي نزل بعد الخمسة أيام دماً أحمر رقيقاً، فحكمها أن تجعل الدم النازل في الخمسة الأيام الأولى دم حيض، والدم الثاني الأحمر الرقيق دم استحاضة، فتترك الصلاة في الخمسة الأيام ولا تقضيها، ثم تغتسل أولاً لطهرها، ثم تتحفظ وتتوضأ للصلاة، وتفعل ذلك في كل صلاة حتى ينقطع عنها الدم.
أما المرأة المعتادة: وهي التي تعرف عادتها وتحفظ عددها، كأن تأتيها خمسة أيام أو سبعة أيام من كل شهر، فهذه إن استمر الدم معها في النزول أكثر من العادة فنقول لها: إن كان الدم مستمراً في النزول وكانت طبقة الدم واحدة فاجعلي الدم أيام عادتك المعهودة دم حيض، وما زاد على هذه الأيام فهو دم استحاضة، ويكون حكمك في هذه الأيام حكم المستحاضة، فتتوضئين لكل صلاة، وتصومين ما عليك من فرض، إلى غير ذلك.
والدليل على حكم المميزة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة بنت أبي حبيش:(دم الحيض أسود يعرف، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة).
فكأنه يقول: أنت امرأة مميزة، ودم الحيض أسود يعرف، فإذا جاء الدم الآخر الرقيق فهو دم استحاضة، قال:(فإذا جاء الدم الآخر فتوضئي وصلي، فإنما هو عرق) أي: هو دم استحاضة وليس بحيض.
والدليل على حكم المعتادة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم حبيبة عندما قالت: إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ قال لها:(لا، إنما ذلك عرق، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي).
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لـ أم حبيبة: يا أم حبيبة! إنك لا تعرفين كيف تميزين بين دم الحيض وبين دم الاستحاضة، فأنت معتادة أن يأتيك الدم أول كل شهر سبعة أيام منذ سنوات طويلة، فعدي سبعة أيام من أول كل شهر حيضاً، فإذا مرت السبعة الأيام فعليك أن تغتسلي غسل الطهارة، ثم تتوضئين لكل صلاة وتصلي، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها، ثم اغتسلي وصلي) أي: أنك طهرت، وهذا الدم دم استحاضة.
أيضاً في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم حبيبة بنت جحش:(امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي وصلي)، فالمعتادة تعد أيام العادة فتمكث لا تصلي ولا تصوم فيها، فإذا مرت العادة واستمر منها نزول الدم فإنها تعتبر نفسها مستحاضة، وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي بعد غسل الطهر.
وأما المرأة المعتادة وغير المميزة، فهي المتحيرة، فلا تعرف لها عادة، ولا تعرف أن تميز إذا قلنا لها: دم الحيض أسود، ودم الاستحاضة أحمر، ومن أسباب هذا اللولب الذي تركبه المرأة، فهذا قيد يجعل المرأة لا تعرف لها عادة، ولا تعرف كيف تميز، وتضطرب عندها الدورة، فماذا تفعل؟ نقول لها: ارجعي إلى غالب عادة النساء، وغالب عادة النساء ستة أيام أو سبعة أيام، فاجعليها أيام حيض، ثم تطهري واغتسلي غسل الطهر، ثم بعد ذلك توضئي لكل صلاة وصلي، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ حمنة بنت جحش:(إنما هذا ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك طهرت فصلي أربعاً وعشرين أو ثلاثاً وعشرين كما تفعل النساء).