[ما يجب على المرأة إذا طهرت]
ختاماً لهذه الرسالة: يجب على المرأة الحائض إذا طهرت أن تغتسل، لكن هل هذا على الفور أم على التراخي؟ أولاً: إذا رأت المرأة القصة البيضاء فهذا معنى الطهر، وكذلك إذا كان الجفاف، بأن أدخلت المرأة كرسفاً فخرج كما هو جافاً، فتكون المرأة طاهرة بأمرين اثنين: بالجفاف أو بالقصة البيضاء، فإذا طهرت المرأة فعليها الغسل؛ لقول الله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة:٢٢٢]، وأيضاً قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:٦] إلى آخر الآيات، فهذه تدل على الغسل، ونحن نقول بأن هذا الغسل نصح به النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال للمرأة: (إذا انقطع دمكِ فاغتسلي، ثم خذي قطعة مسك وتطهري.
فقالت: كيف أتطهر بها يا رسول الله؟ فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: سبحان الله تطهري بها! قالت: كيف أتطهر؟! فتعجب رسول الله! قالت عائشة: فجذبتها فقلت لها: تتبعي أثر الدم).
وهذه سنة غابت عن نسائنا كثيراً، ألا وهي أنه بعدما ترى المرأة الطهر لها أن تمسك قطعة مسك فتطهر بها المحل من أثر الحيض؛ لأن أثر الحيض له رائحة كريهة، فلا بد أن يتبع هذا الأثر برائحة طيبة، ألا وهو: المسك، واستخدام المسك عند الطهر جائز، ثم تغتسل، والاغتسال أن تعمم الجسد بالماء.
آخر هذه المسائل: الاغتسال على الفور أم على التراخي؟ هو على التراخي، إلا أن يؤذن المؤذن للصلاة أو يريد الزوج منها الوطء، فإذا أراد وطأها وجب عليها الغسل، وإذا دخل وقت الصلاة وخافت أن ينقضي الوقت فعليها وجوباً الغسل ثم الصلاة، فهذا على الفور في هذه الأوقات فقط.
أقول: إذا كان الغسل واجباً على المرأة فكيف تغتسل المرأة صاحبة الشعر الطويل، لا سيما إذا كانت قد شدت الضفائر وصعب عليها نقضها، فهل تغتسل بالضفائر أو لا بد أن تحل هذه الضفائر؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: قول جمهور أهل العلم: أنه يستحب نقض الشعر، وقالوا: أدلتنا في ذلك عامة، لعموم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال، والدليل لعام هو: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ)) ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم الغسل كما أمر به الله جل في علاه، قال للرجل بعدما أعطاه الماء: (أفرغ ذلك على جلدك) فإذا عممت المرأة الماء على جسدها كلية وما تركت شيئاً حتى دخل الماء في أصول الشعر وتأكدت أنه وصل إلى أصول شعرها فهذه قد تطهرت، بل تخرج لتصلي دون أن تتوضأ، وهذا هو الصحيح، والدليل على ذلك خاصة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ أم سلمة عندما قالت: (إني امرأة أشد ضفر شعري فهل أنقض شعري وأنا أغتسل من الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك ثلاث حثيات، تأخذي بيدكِ هكذا، فتحثي ثلاث حثيات على رأسكِ، ثم تفيضي الماء على جسدكِ، فتكونين قد تطهرتِ) ثلاث حثيات فقط على الرأس، تأخذ بالكوب الماء على الرأس هكذا، ثم تدلك حتى في الضفائر، وتمرر الماء على الضفائر، ثم بعد ذلك تعمم الجسد كله بالماء، فإذا عممت الجسد كله بالماء فقد اغتسلت، وكما قلت: إذا انتهت فقد استباحت الصلاة ورفع الحيض، فتخرج لتصلي دون الوضوء.
كذلك عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في صحيح مسلم أخبرها من أخبرها بأن عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر النساء عند الاغتسال أن ينقضن شعورهن، فأنكرت أشد الإنكار عليه، فقالت: وا عجباً لـ ابن عمرو بن العاص أما أمرهن أن يحلقن رءوسهن! (فإني كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويكفيني أن أفرغ على جسدي ثلاث إفراغات).
أي: لا تنقض شعرها، فالضفائر لا تحل، وإنما تفرغ ثلاث إفراغات على الجسد، وتمرر الماء على كل الجسد ليصل إلى كل جزئية في الجسد، فتكون بذلك قد تطهرت واغتسلت، وإن أرادت الصلاة صلت، وهذه أيضاً رواية عن عائشة وهي أعلم الناس بهذه المسائل، وأنكرت أشد النكير على عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يأمرهن أن ينقضن شعورهن.
أما الحنابلة فاعترضوا وقالوا: لا، يجب أن نفرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض، فالأدلة التي أتيتم بها هي في غسل الجنابة، أما في غسل الحيض فإن المرأة إذا طهرت من حيضها وجب عليها أن تحل الضفائر وتنقض شعرها، واستدلوا على ذلك بحديث عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في الصحيح أنها لما حاضت ودخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي قال: (مالك أنفستِ؟ ثم قال لها: انقضي شعرك) فهذا وجه الدلالة هنا، (انقضي شعرك واغتسلي وتطهري وافعلي ما يفعل الحاج).
قالوا: فهذا يدل على الأمر بنقض الشعر، وظاهر الأمر الوجوب، فأمرها فقال: (انقضي) أي: يجب عليكِ أن تنقضي، وفي رواية ابن ماجة أنه ليس ذلك في الحج بل على الإطلاق، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (انقضي شعركِ واغتسلي) وليس في الرواية تخصيص للحج.
والصحيح الراجح في ذلك هو قول الجمهور، فنقض الشعر يكون على الاستحباب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك لـ أم سلمة، وقال: (إنما يكفيكِ أن تحثي ثلاث حثيات) وغسل الجنابة يساوي غسل الحيض ولا فرق بينهما؛ لأن كلاً منهما رفع حدث.
أيضاً: أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها التي هي أعلم بهذه المسائل أفتت بهذا، وهي الراوية لهذا الحديث، أفتت بأن المرأة لا تنقض شعرها على العموم، سواء في الجنابة أو في الحيض، فكيف نجيب على الحنابلة؟ أقول: الحديث الأول ليس لهم فيه دليل؛ لأن الحديث وقع في الحج، وكلامنا في الحيض وليس في الحج، لكن هذا الغسل في الحج، وقد اختلف العلماء هل هو للتعبد أم للتنظيف؟ وسيأتي مجاله في التفصيل في الفقه إن شاء الله.
فالغرض المقصود أن هذا في الحج، فإن عارضونا وقالوا: رواية ابن ماجة مطلقة.
نقول: نحمل رواية ابن ماجة على رواية الصحيح التي هي على الحج؛ لأن عائشة التي هي أعلم بما روت هي التي أفتت بالاغتسال دون النقض، ونقول: إن أبيتم علينا ذلك، وفرقتم بين حديث في الصحيح وحديث ابن ماجة الذي فيه: (انقضي شعرك) نقول: هناك رواية لـ أم سلمة لما سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (أنقض شعري من حيض؟ فقال: إنما يكفيكِ ثلاث حثيات على رأسكِ) فهذه الرواية فيها دلالة على أنها سألت عن غسل الحيض، وهذا سؤال وقت الحاجة، فبين النبي صلى الله عليه وسلم لها ذلك فقال: (إنما يكفيكِ ثلاث حثيات على رأسك).
وأيضاً نقول: أمر رواية ابن ماجة محمولة على الاستحباب، والذي صرف الوجوب إلى الاستحباب هو -إن قلنا إنه ليس في الحج- أمر النبي لـ أم سلمة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
والخلاصة: أن المرأة عندما تطهر يجب عليها الغسل على التراخي، وتأتي الفورية إذا أراد الزوج جماعها، وأيضاً إذا دخل وقت الصلاة وخشيت من انقضاء هذا الوقت، فإنه يجب عليها على الفور الاغتسال، ويكفيها أن تعمم الجسد بالماء، وإن أرادت أن تغتسل غسل السنة فغسل السنة: أن تغسل الفرج ثم اليد، ثم تتوضأ للصلاة الوضوء المعروف، ثم تفرغ الماء ثلاث مرات على الشق الأيمن ثم الشق الأيسر، ثم تأخذ ثلاث حثيات بيدها، وتدخل الماء حتى يصل إلى أصول الشعر ثلاث مرات، ثم تفرغ الماء على الجانب الأيمن ثلاث مرات، ثم تفرغ على الجانب الأيسر ثلاث مرات، فهذا غسل السنة.
أما الغسل عموماً فأقول: تفرغ الماء وتعممه على الجسد، وقد انتهينا من الرسالة بفضل الله، وأسأل الله ربي أن يجعلها ابتغاء وجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.