القول الثالث: قول الإمام مالك، وهو الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو: جواز القراءة للحاجة، ويدخل فيه الصنعاني، الذي يقول: بالكراهة ولا يقول بالجواز، وأدلة من قال بذلك أربعة: الدليل الأول: أن الأصل عدم المنع؛ فلا يوجد دليل يمنع، والأدلة التي جاءت بالمنع أدلة ضعيفة.
لكن أقول: أجازوا القراءة للحاجة لا للضرورة، لأن القاعدة عند العلماء: أن الحاجيات تبيح المكروهات، أما الضرورات فتبيح المحظورات، وإلا فإني أقول: بأن المرأة الحائض تقرأ للضرورة، أي: إن كانت ستمتحن وستختبر وسترسب، فلها أن تقرأ، والضرورة تقدر بقدرها، وبعدما تقرأ، لا تقرأ مرة ثانية.
الدليل الثاني: عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت).
ووجه الدلالة: قوله: افعلي ما يفعل الحاج.
والحاج يذكر الله، ويسبح، ويستغفر، ويقرأ القرآن، فدخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(افعلي ما يفعل الحاج)، وقد خصص الطواف فقط.
ولو كان القرآن ممنوع لخصصه كما خصص الطواف، وهذا قول وجيه جداً، إذ لو كانت القراءة ممنوعة لخصها كما خص الطواف، فلما لم يبين ذلك دل على الجواز.
الدليل الثالث: ما استدل به ابن عباس -كما في البخاري - أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى كسرى وقيصر كتباً فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى أن ذكر قوله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ}[آل عمران:٦٤] إلى آخر الآيات، قال: والكافر جنب؛ لأن الكافر سيجامع امرأته ثم لا يغتسل، فهو جنب، قالوا: إذا ً يقرأ القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر على ذلك.
الرابع: أن هناك أخباراً وأحاديث تذم من نسي القرآن، ولهم أدلة صحيحة في ذلك، وعمومات أدلة تثبت أن القرآن يتفلت، فلا بد من المحافظة عليه، وفيها إشعار على أن الذي يتفلت منه القرآن بغفلته يأثم، بل يدخل في قول الله تعالى:{إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}[الفرقان:٣٠].
قالوا: ونحن نستدل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه القاعدة العظيمة: أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والواجب عدم النسيان، لحرمة النسيان، فلا يتم الواجب إلا بالقراءة، سواء كانت حائضاً أو غير حائض، فما يتم الواجب إلا به فهو واجب.