[مسائل في صلاة الحائض]
هنا مسائل مهمة جداً، وهي: المسألة الأولى: امرأة بعد طلوع الفجر بمقدار ركعة حاضت، إذاً: هي لحقت ركعة من صلاة الفجر وهي طاهرة، فهل صلاة الفجر عليها أم لا؟ الصحيح والراجح في ذلك: أن صلاة الفجر عليها؛ لأنها إذا طهرت لا بد أن تصلي الفجر قضاءً، ثم تصلي الصلوات، فتستحضرها وتستقدمها بين يديها، والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، مفهوم المخالفة: إذا لم تدرك ركعة كاملة لا يلزمها الصلاة؛ لأنه قال: إذا أدركت ركعة كاملة لزمتها الصلاة، أي: الصلاة التي فيها هذه الركعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك الصلاة، ومن أدرك ركعة من صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصلاة).
فهذه دلالة واضحة على أن الركعة التي أدركتها تدرك بها الصلاة، ويلزمها قضاء هذه الصلاة، ويكون هذا الحكم مستثنى من الحكم العام الذي حرم عليها القضاء، فإذا لحقت مقدار ركعة واحدة وهي طاهرة ثم حاضت، فعليها قضاء هذه الصلاة.
المسألة الثانية: إذا أدركت ركعة من وقت العصر فهل يجب عليها صلاة الظهر مع العصر أم لا؟ أي: أن امرأة أدركت صلاة العصر وهي حائض، ثم طهرت وقت صلاة العصر فهل تأتي بالظهر والعصر؟ أم تأتي بالعصر فقط؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: أنها تأتي بالعصر والظهر معاً، وأيضاً: إذا طهرت وقت صلاة العشاء فعليها المغرب والعشاء، وإذا طهرت وقت الفجر فعليها الفجر فقط، وهذا قول جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة.
وأدلتهم في ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه، ونقل أيضاً بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف أنهما قالا: في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء، وإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً، والعلة عندهم في ذلك: أن وقت الثانية وقت للأولى في حالة العذر.
وذلك إذا سافر المرء، فله أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير، وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم، وله أن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء، وله في المطر أن يفعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (جمع بين المغرب والعشاء -كما في صحيح البخاري - من غير سفر ولا مطر، قالوا: يا ابن عباس! لم؟ قال: أراد ألا يحرج أمته، أو لا يحرج على أمته).
فالصحيح الراجح في ذلك: التعليل: أن وقت العصر وقت للظهر عند الضرورة، وهي في ضرورة إذا كانت حائضاً، فإذا طهرت العصر عليها أن تصلي الظهر، وأيضاً: إذا طهرت العشاء عليها أن تصلي المغرب مع العشاء.
القول الثاني: قول بعض المالكية والأحناف، قالوا: لا تصلي إلا الصلاة التي أدركتها، أي: أنها إذا طهرت في صلاة العصر فليس عليها إلا العصر، وإذا طهرت في العشاء فليس عليها إلا العشاء، وهذا هو الراجح الصحيح، والأدلة على ذلك: أولاً: البراءة الأصلية، وذلك أنها عندما كانت حائضاً حرم الله عليها الصلاة، فوقت الظهر كانت حائضاً فيحرم أن تصلي، وطهرت وقت العصر فليس عليها إلا الوقت الذي طهرت فيه، وهو صلاة العصر، والأصل أن الذمة غير مشغولة بأي عبادة حتى يأتي دليل من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على وجوب هذه العبادة، ولم يأت بذلك دليل، وقد أسقط الشرع عنها الصلاة حين حيضها، ثم أمرها حين الطهر، فحين الطهر وجب عليها أداء هذه الصلاة التي طهرت في وقتها فقط.
ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر).
وجه الدلالة: أنه لم يقل: أدرك الظهر والعصر، بل قال: (من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر).
ووجه الدلالة من الحديث العموم؛ لأنه قال: من أدرك، و (من): من الأسماء المبهمة التي تدل على العموم، بمعنى: من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر، أي: من أدرك ركعة من العصر، سواء كان رجلاً أو شيخاً أو شاباً صغيراً أو امرأة طاهرة أو حائض، نزل تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر)، ولم يذكر الظهر مع العصر، فإذا أدركت ركعة من العصر ليس عليها إلا العصر بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
أما الرد على من استدل بقول ابن عباس فنقول: قول ابن عباس قد خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا نأخذ به، وقد قال ابن عباس: أوشكت السماء أن تمطر عليكم حجارة، أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر.
إذاً: إذا خالف ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نأخذ بقول ابن عباس.
أيضاً: قياس ابن عباس على الضرورة قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه صادم نصاً، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة) و (من): للعموم، فيدخل فيه المرأة التي طهرت، وهذا هو الراجح والصحيح.
أيضاً: يلحق بذلك ما لو سمعت بالسجدة، فلا يجوز لها السجود.
وأيضاً: سجود الشكر لا بد فيه أن تكون على طهارة.