[شرح حديث: يقول الله تعالى: (ما لعبد مؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه)]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: ما لعبد مؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)].
يقول صلى الله عليه وسلم:(كفى بالموت واعظاً)، وهذا الحديث فيه إخبار أن الإنسان أحياناً يفقد بعض أصفيائه، والصفي كلمة واسعة لها أصل قرآني، فهي الاجتباء والاختيار والتقريب، قال الله جل وعلا:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا}[آل عمران:٣٣]، وقال الله جل وعلا في حق موسى:{إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي}[الأعراف:١٤٤]، فكلمة صفي أوسع من كلمة ابن، وأوسع من كلمة أخ، فالصفي قد يكون ابناً، وقد يكون أخاً، وقد يكون طالباً لك، وقد يكون شيخاً لك، وقد تكون الزوجة، وقد يكون للزوجة زوج، وقد يكون جاراً، وقد يكون صديقاً، فكل من تؤثره على غيره وتقربه منك وتدنيه، وله في قلبك محبة وحفاوة، وبينك وبينه حياة قلبية واسعة، فهذا يسمى صفياً.
والله جل وعلا كتب على الناس الموت، وكل صفيين لابد أن يفترقا، والصديق رضي الله عنه ورد عنه لما مات النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان بالسنح في العوالي، وهي الآن في جنوب المدينة، فلما بلغه الخبر دخل بيت عائشة بوصفها ابنته، فلما كشف عن النبي صلى الله عليه وسلم تبين له أن النبي قد مات، فقبله وقال: واصفياه! والمقصود بالصفي من حيث الجملة: كل من قربته بصرف النظر عن قرابته أو عدم قرابته أو سنه أو غير ذلك.
فيقول صلى الله عليه وسلم: إن الله جل وعلا يقول: (ما لعبدي إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا)، ولا ينتهي الخبر هنا، (ثم احتسبه)، ومعنى (الاحتساب): الصبر المقرون برجاء الثواب، بمعنى: أن المبتلى بفقد صفيه يصبر وهو يرتجي الثواب من الله جل وعلا، فإذا وقع هذا من الرجل أو من المرأة إذا فقد صفياً له فاحتسبه عند الله جل وعلا، فليس له جزاء عند الله إلا الجنة.
وقوله عليه الصلاة والسلام:(فليس له إلا الجنة) يدل على عظم هذا العمل؛ لأن الله لم يعلق الجنة على عمل مفرد إلا في جلال الطاعة، كما قال:(الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، فعلقها هنا في عمل قلبي وهو الصبر، كما علقها في عمل بدني مالي تعبدي وهو الحج.