[ساعة الاختصار، وإعانة المحتضر على النطق بالشهادة]
وأما من باب الوعظ العام فإن الرب تبارك وتعالى أودعنا أرواحاً تسمى أنفساً ما دامت متصلة بالأجساد، وكلفنا جل وعلا بأعمال، وأخبرنا تبارك اسمه وجل ذكره أننا سنلقاه، وقال لنا وهو أصدق القائلين:{يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ}[الانشقاق:٦]، فهذه التكاليف إتياننا بها على الوجه الأكمل هو المطلوب، ومهما أتينا بها فسنبقى مقصرين، فإذا قرنا ذلك التقصير بالاستغفار تحمل الله جل وعلا عنا ذلك التقصير، ثم تأتي ساعة الأجل وسكرات الموت وهي حتم لازم، وأمر عظيم، وقد كان نبي الأمة يضع يده في ركوة فيها ماء ويمسح بها وجهه ويقول:(لا إله إلا الله إن للموت سكرات)، فكيف بغيره صلوات الله وسلامه عليه.
وفي تلك اللحظة كل ما صنعه الإنسان في أيام دهره يمر كاللحظة الوحدة، لكن المؤمن الموفق في تلك اللحظة يكون حسن الظن بالرب تبارك وتعالى، (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه) هكذا أوصى صلى الله عليه وسلم.
فعلى الذين يحضرون محتضراً أن يذكروا له عظيم رحمة الله، وأن يسهموا في أن يحسن ذلك المحتضر الظن بربه؛ حتى تنجم عنه أقوال سديدة تستدر بها رحمة الرب جل وعلا، فقد كان جبريل يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لو رأيتني وأنا آخذ طين البحر وأضعه في فم فرعون؛ خشية أن يقول فرعون كلمة يستدر بها رحمة الله، مع أن خطيئة فرعون هي قوله:{مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:٣٨].
والله يقول:{فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:٢٣ - ٢٤].
ومع ذلك كان بالإمكان أن يقول كلمة يستدر بها رحمة الله جل وعلا، فكيف بمؤمن موحد في ساعة ضعف وعجز لو وفق أن يقول كلمة يستدر بها رحمة أرحم الراحمين جل جلاله؟ فمن شاهد محتضراً فليعنه على أن يقول قولاً يستدر به رحمة الله.
ومما تستدر به رحمة الله في ذلك الحال أن تقول من الكلمات ما تستدر به رحمة الله في السراء؛ حتى يعطيك الله جل وعلا من رحمته في ساعة الكرب تلك التي لا بد من مواجهتها، {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}[آل عمران:١٤٥].
ولا يمكن أن ينتصر أحد في هذه الدنيا بحول ولا بقول ولا بعمل ولا بقنوته، ولا بحب الناس له ولا بثنائهم عليه، وإنما يفوز من فاز بتوفيق الله وتسديده إياه ورحمته جل وعلا له.
إذاً بالعقل والنقل: لا يمكن أن يسعى إنسان في تحصيل شيء ينفعه أعظم من سعيه في تحصيل أن يرحمه الله جل وعلا، فمن رحمه الله فسيفوز لا محالة، ولن يهلك أبداً، وكيف يهلك ويضيع من كان الله جل وعلا به راحماً، وله ناصراً، وعليه وكيلاً كفيلاً جل جلاله، فهذه الساعة يعد لها في كل لحظه، وهذا الذي يصنعه العقال.