والمقصود من الحديث:(فلينظر إلى ما هو أسفل منه) أن الإنسان يحمد الله جل وعلا على نعمة العافية، وأي بلاء أنت فيه ثق تماماً أنه يوجد من هو أعظم بلاء منك، لكن عليك أن تفقه أن الإنسان متى سلم دينه فليس في بلاء قط، ومتى ابتلي في دينه فهو لم يرَ العافية أبداً، فالبلاء الحق أن يبتلى الإنسان في دينه وفي قلبه، وأما البلاء في الأبدان فإنه ينتصر ويتغلب عليه بالصبر واحتساب الأجر من الله جل وعلا يوم القيامة، يقول صلى الله عليه وسلم:(يود أهل العافية يوم القيامة لو أنهم غلبوا بكذا وكذا)؛ لما يرون من إكرام الله جل وعلا لأهل البلاء، والمقصود أهل البلاء الذين عوفوا.
فالله جل وعلا لما خلق أبانا آدم، وأخرج من ظهره ذريته، رأى آدم في أبنائه التفاوت: فمنهم المعافى، ومنهم المبتلى، فقال: أي رب! لو سويت بين عبادك، فقال الله له: يا آدم! إني أحب أن أشكر.
فليتفكر كل واحد منا فيما أفاء الله جل وعلا عليه من النعم: من نعمة العافية، من نعمة المال، من نعمة الستر، من نعمة القدرة على الغدو والرواح، من نعمة القدرة على الذكر، فهل أدى شكر هذه النعم أو لم يؤدها، والله! إن المرء ليستحي من الله إذا آوى إلى فراشه وهو يخطو على قدميه، ويرى العافية في نفسه، ويرى العافية في أهله، ويرى العافية في أبنائه، ويرى العافية في بناته، يرى العافية في نظرة الناس إليه، ويقدر يصنع أي شيء، ويخرج بأي ساعة من الليل، فيقود سيارته ويشتري طعاماً، ويزور صديقاً، ويؤانس أخاً، ويتنقل في بيته كيفما يشاء، ثم يهم أن يضطجع، فليسأل نفسه: أين هو من شكر الله تبارك وتعالى على هذه النعم؟ على الأقل إن كنا عاجزين ومقصرين في شكرها عبادياً وعمل جوارح، فلا أقل من أن يشكر الله جل وعلا اعتقاداً بالقلب، فليقع في قلبك أن الله جل وعلا قادر على أن يسلبك هذه النعمة، وأن الله جل وعلا قادر على أن يأخذها منك، وأن الله جل وعلا قادر على أن يمنعك مما تستطيع أن تفعله.
فإذا وقع هذا في القلب كان الإنسان قد وصل إلى طريق عظيم في شكر الله جل وعلا، وقد ورد أن الله جل وعلا قال لداود:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا}[سبأ:١٣] قال: أي رب! ونعمة الشكر منك، فأوحى الله جل وعلا إليه: الآن عرفتني يا داود! واعلم أن الله جل وعلا غني أصلاً عن طاعتنا كلها، ألا ترى إلى هذه الضفادع فنقيقها تسبيح لله تبارك وتعالى؛ فلهذا حرم النبي صلى الله عليه وسلم قتلها، والإنسان يمر على مستنقع ماء فيسمعها ويتأذى من صوتها، لكن من علمه الله القرآن والسنة إذا سمع نقيقها تذكر تقصيره في حق الله جل وعلا وشكره، والتسبيح بحمده، وذكر آلائه، وتعريف الناس بربهم تبارك وتعالى.
والمقصود من هذا كله: ألا ينظر الإنسان إلى الخلق نظرة ازدراء، وأن يحمد الله جل وعلا على نعمه وفضله، والله يقول:{لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم:٧]، علمني الله وإياكم، وأدبنا بأدبه تبارك وتعالى.